فصل: باب ذَبْحِ الرَّجُلِ الْبَقَرَ عَنْ نِسَائِهِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِنَّ

مساءً 6 :4
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
28
الأحد
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب مَتَى يُدْفَعُ مِنْ جَمْعٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب متى يدفع من جمع‏)‏ أي بعد الوقوف بالمشعر الحرام‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ يَقُولُ شَهِدْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَلَّى بِجَمْعٍ الصُّبْحَ ثُمَّ وَقَفَ فَقَالَ إِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا لَا يُفِيضُونَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَيَقُولُونَ أَشْرِقْ ثَبِيرُ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالَفَهُمْ ثُمَّ أَفَاضَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي إسحاق‏)‏ هو السبيعي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يفيضون‏)‏ زاد يحيى القطان عن شعبة ‏"‏ من جمع ‏"‏ أخرجه الإسماعيلي، وكذا هو للمصنف في أيام الجاهلية من رواية سفيان الثوري عن أبي إسحاق، وزاد الطبراني من رواية عبيد الله بن موسى عن سفيان ‏"‏ حتى يروا الشمس على ثبير‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويقولون‏:‏ أشرق ثبير‏)‏ أشرق بفتح أوله فعل أمر من الإشراق أي أدخل في الشروق‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ وضبطه بعضهم بكسر الهمزة كأنه ثلاثي من شرق وليس ببين، والمشهور أن المعنى لتطلع عليك الشمس وقيل‏:‏ معناه أضئ يا جبل، وليس ببين أيضا‏.‏

وثبير بفتح المثلثة وكسر الموحدة جبل معروف هناك، وهو على يسار الذاهب إلى منى، وهو أعظم جبال مكة، عرف برجل من هذيل اسمه ثبير دفن فيه‏.‏

زاد أبو الوليد عن شعبة ‏"‏ كيما نغير ‏"‏ أخرجه الإسماعيلي، ومثله لابن ماجه من طريق حجاج بن أرطاة عن أبي إسحاق، وللطبري من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق ‏"‏ أشرق ثبير لعلنا نغير ‏"‏ قال الطبري‏:‏ معناه كيما ندفع للنحر، وهو من قتلهم أغار الفرس إذا أسرع في عدوه، قال ابن التين‏:‏ وضبطه بعضهم بسكون الراء في ثبير وفي نغير لإرادة السجع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم أفاض قبل أن تطلع الشمس‏)‏ الإفاضة الدفعة قاله الأصمعي، ومنه أفاض القوم في الحديث إذا دفعوا فيه، ويحتمل أن يكون فاعل أفاض عمر فيكون انتهاء حديثه ما قبل هذا، ويحتمل أن يكون فاعل أفاض النبي صلى الله عليه وسلم لعطفه على قوله خالفهم، وهذا هو المعتمد‏.‏

وقد وقع في رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة عند الترمذي ‏"‏ فأفاض ‏"‏ وفي رواية الثوري ‏"‏ فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم فأفاض ‏"‏ وللطبري من طريق زكريا عن أبي إسحاق بسنده ‏"‏ كان المشركون لا ينفرون حتى تطلع الشمس، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره ذلك فنفر قبل طلوع الشمس ‏"‏ وله من رواية إسرائيل ‏"‏ فدفع لقدر صلاة القوم المسفرين لصلاة الغداة ‏"‏ وأوضح من ذلك ما وقع في حديث جابر الطويل عند مسلم ‏"‏ ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعا الله تعالى وكبره وهلله ووحده، فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا، فدفع قبل أن تطلع الشمس ‏"‏ وقد تقدم حديث ابن مسعود في ذلك وصنيع عثمان بما يوافقه، وروى ابن المنذر من طريق الثوري عن أبي إسحاق ‏"‏ سألت عبد الرحمن بن يزيد‏:‏ متى دفع عبد الله من جمع‏؟‏ قال‏:‏ كانصراف القوم المسفرين من صلاة الغداة ‏"‏ وروى الطبري من حديث علي قال ‏"‏ لما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة غدا فوقف على قزح وأردف الفضل ثم قال‏:‏ هذا الموقف، وكل المزدلفة موقف‏.‏

حتى إذا أسفر دفع ‏"‏ وأصله في الترمذي دون قوله ‏"‏ حتى إذا أسفر ‏"‏ ولابن خزيمة والطبري من طريق عكرمة عن ابن عباس ‏"‏ كان أهل الجاهلية يقفون بالمزدلفة، حتى إذا طلعت الشمس فكانت على رءوس الجبال كأنها العمائم على رءوس الرجال دفعوا، فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسفر كل شيء قبل أن تطلع الشمس ‏"‏ وللبيهقي من حديث المسور بن مخرمة نحوه، وفي هذا الحديث فضل الدفع من الموقف بالمزدلفة عند الأسفار، وقد تقدم بيان الاختلاف فيمن دفع قبل الفجر‏.‏

ونقل الطبري الإجماع على أن من لم يقف فيه حتى طلعت الشمس فاته الوقوف قال ابن المنذر‏:‏ وكان الشافعي وجمهور أهل العلم يقولون بظاهر هذه الأخبار، وكان مالك يرى أن يدفع قبل الأسفار، واحتج له بعض أصحابه بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعجل الصلاة مغلسا إلا ليدفع قبل الشمس، فكل من بعد دفعه من طلوع الشمس كان أولى‏.‏

*3*باب التَّلْبِيَةِ وَالتَّكْبِيرِ غَدَاةَ النَّحْرِ حِينَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ وَالِارْتِدَافِ فِي السَّيْرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب التلبية والتكبير غداة النحر حتى يرمي‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ حين يرمي ‏"‏ وهو أصوب‏.‏

قال الكرماني‏:‏ ليس في الحديث ذكر التكبير، فيحتمل أن يكون أشار إلى الذكر الذي في خلال التلبية، وأراد أن يستدل على أن التكبير غير مشروع حينئذ لأن قوله ‏"‏ لم يزل ‏"‏ يدل على إدامة التلبية وإدامتها تدل على ترك ما عداها، أو هو مختصر من حديث فيه ذكر التكبير انتهى‏.‏

والمعتمد أنه أشار إلى ما ورد في بعض طرقه كما جرت به عادته، فعند أحمد وابن أبي شيبة والطحاوي من طريق مجاهد عن أبي معمر عن عبد الله ‏"‏ خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ترك التلبية حتى رمى جمرة العقبة إلا أن يخلطها بتكبير‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْدَفَ الْفَضْلَ فَأَخْبَرَ الْفَضْلُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى الْجَمْرَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأخبر الفضل‏)‏ في رواية مسلم من طريق عيسى بن يونس عن ابن جريج عن عطاء ‏"‏ فأخبرني ابن عباس أن الفضل أخبره‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ يُونُسَ الْأَيْلِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَرَفَةَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ ثُمَّ أَرْدَفَ الْفَضْلَ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ إِلَى مِنًى قَالَ فَكِلَاهُمَا قَالَا لَمْ يَزَلْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكلاهما‏)‏ أي الفضل بن عباس وأسامة بن زيد، وفي ذكر أسامة إشكال لما تقدم في ‏"‏ باب النزول بين عرفة وجمع ‏"‏ أن عند مسلم في رواية إبراهيم بن عقبة عن كريب أن أسامة قال ‏"‏ وانطلقت أنا في سباق قريش على رجلي ‏"‏ لأن مقتضاه أن يكون أسامة سبق إلى رمي الجمرة فيكون إخباره بمثل ما أخبر به الفضل من التلبية مرسلا، لكن لا مانع أنه يرجع مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجمرة أو يقيم بها حتى يأتي النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقد أخرج مسلم أيضا من حديث أم الحصين قالت ‏"‏ فرأيت أسامة بن زيد وبلالا في حجة الوداع وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة‏"‏‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ زاد ابن أبي شيبة من طريق علي بن الحسين عن ابن عباس عن الفضل في هذا الحديث ‏"‏ فرماها سبع حصيات يكبر مع كل حصاة ‏"‏ وسيأتي هذا الحكم بعد نيف وثلاثين بابا، وفي هذا الحديث أن التلبية تستمر إلى رمي الجمرة يوم النحر، وبعدها يشرع الحاج في التحلل، وروى ابن المنذر بإسناد صحيح عن ابن عباس أنه كان يقول ‏"‏ التلبية شعار الحج، فإن كنت حاجا فلب حتى بدء حلك، وبدء حلك أن ترمي جمرة العقبة ‏"‏ وروى سعيد بن منصور من طريق ابن عباس قال ‏"‏ حججت مع عمر إحدى عشرة حجة، وكان يلبي حتى يرمي الجمرة ‏"‏ وباستمرارها قال الشافعي وأبو حنيفة والثوري وأحمد وإسحاق وأتباعهم‏.‏

وقالت طائفة‏:‏ يقطع المحرم التلبية إذا دخل الحرم، وهو مذهب ابن عمر، لكن كان يعاود التلبية إذا خرج من مكة إلى عرفة‏.‏

وقالت طائفة‏:‏ يقطعها إذا راح إلى الموقف، رواه ابن المنذر وسعيد بن منصور بأسانيد صحيحة عن عائشة وسعد بن أبي وقاص وعلي، وبه قال مالك وقيده بزوال الشمس يوم عرفة، وهو قول الأوزاعي والليث، وعن الحسن البصري مثله لكن قال ‏"‏ إذا صلى الغداة يوم عرفة ‏"‏ وهو بمعنى الأول‏.‏

وقد روى الطحاوي بإسناد صحيح عن عبد الرحمن بن يزيد قال ‏"‏ حججت مع عبد الله، فلما أفاض إلى جمع جعل يلبي، فقال رجل‏:‏ أعرابي هذا‏؟‏ فقال عبد الله‏:‏ أنسي الناس أم ضلوا ‏"‏ وأشار الطحاوي إلى أن كل من روي عنه ترك التلبية من يوم عرفة أنه تركها للاشتغال بغيرها من الذكر لا على أنها لا تشرع، وجمع في ذلك بين ما اختلف من الآثار والله أعلم‏.‏

واختلفوا أيضا هل يقطع التلبية مع رمي أول حصاة أو عند تمام الرمي‏؟‏ فذهب إلى الأول الجمهور، وإلى الثاني أحمد وبعض أصحاب الشافعي، ويدل لهم ما روى ابن خزيمة من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن ابن عباس عن الفضل قال ‏"‏ أفضت مع النبي صلى الله عليه وسلم من عرفات، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة يكبر مع كل حصاة، ثم قطع التلبية مع آخر حصاة ‏"‏ قال ابن خزيمة‏:‏ هذا حديث صحيح مفسر لما أبهم في الروايات الأخرى، وأن المراد بقوله ‏"‏ حتى رمى جمرة العقبة ‏"‏ أي أتم رميها‏.‏

*3*باب فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ

فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي - إلى قوله تعالى - حاضري المسجد الحرام‏)‏ كذا في رواية أبي ذر وأبي الوقت، وساق في طريق كريمة ما بين قوله‏:‏ ‏(‏الهدي‏)‏ قوله‏:‏ ‏(‏حاضري المسجد الحرام‏)‏ وغرض المصنف بذلك تفسير الهدي، وذلك أنه لما انتهى في صفة الحج إلى الوصول إلى منى أراد أن يذكر أحكام الهدي والنحر، لأن ذلك يكون غالبا بمنى‏.‏

والمراد بقوله‏:‏ ‏(‏فمن تمتع‏)‏ أي في حال الأمن لقوله‏:‏ ‏(‏فإذا أمنتم فمن تمتع‏)‏ وفيه حجة للجمهور في أن التمتع لا يختص بالمحصر، وروى الطبري عن عروة قال في قوله‏:‏ ‏(‏فإذا أمنتم‏)‏ أي من الوجع ونحوه، قال الطبري‏:‏ والأشبه بتأويل الآية أن المراد بها الأمن من الخوف، لأنها نزلت وهم خائفون بالحديبية فبينت لهم ما يعملون حال الحصر، وما يعملون حال الأمن‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا النَّضْرُ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ قَالَ سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ الْمُتْعَةِ فَأَمَرَنِي بِهَا وَسَأَلْتُهُ عَنْ الْهَدْيِ فَقَالَ فِيهَا جَزُورٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ شَاةٌ أَوْ شِرْكٌ فِي دَمٍ قَالَ وَكَأَنَّ نَاسًا كَرِهُوهَا فَنِمْتُ فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ إِنْسَانًا يُنَادِي حَجٌّ مَبْرُورٌ وَمُتْعَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ فَأَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَقَالَ آدَمُ وَوَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ وَغُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عُمْرَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ وَحَجٌّ مَبْرُورٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا النضر‏)‏ هو ابن شميل صاحب العربية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أبو جمرة‏)‏ بالجيم والراء وقد تقدم لهذا الحديث طريق في آخر ‏"‏ باب التمتع والقرآن ‏"‏ وقد تقدم الكلام عليه هناك، والغرض منه هنا بيان الهدي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وسألته‏)‏ أي ابن عباس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن الهدي‏)‏ فقال فيها أي المتعة يعني يجب على من تمتع دم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏جزور‏)‏ بفتح الجيم وضم الزاي أي بعير ذكرا كان أو أنثى، وهو مأخوذ من الجزر أي القطع ولفظها مؤنث تقول هذه الجزور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو شرك‏)‏ بكسر الشين المعجمة وسكون الراء أي مشاركة في دم أي حيث يجزئ الشيء الواحد عن جماعة، وهذا موافق لما رواه مسلم عن جابر قال ‏"‏ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بدنة ‏"‏ وبهذا قال الشافعي والجمهور، سواء كان الهدي تطوعا أو واجبا، وسواء كانوا كلهم متقربين بذلك أو كان بعضهم يريد التقرب وبعضهم يريد اللحم، وعن أبي حنيفة‏.‏

يشترط في الاشتراك أن يكونوا كلهم متقربين بالهدي، وعن زفر مثله بزيادة أن تكون أسبابهم واحدة، وعن داود وبعض المالكية‏:‏ يجوز في هدي التطوع دون الواجب، وعن مالك‏:‏ لا يجوز مطلقا، واحتج له إسماعيل القاضي بأن حديث جابر إنما كان بالحديبية حيث كانوا محصرين، وأما حديث ابن عباس فخالف أبا جمرة عنه ثقات أصحابه فرووا عنه أن ما استيسر من الهدي شاة، ثم ساق ذلك بأسانيد صحيحة عنهم عن ابن عباس قال‏:‏ وقد روى ليث عن طاوس عن ابن عباس مثل رواية أبي جمرة، وليث ضعيف‏.‏

قال‏:‏ وحدثنا سليمان عن حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين عن ابن عباس قال ‏"‏ ما كنت أرى أن دما واحدا يقضي عن أكثر من واحد ‏"‏ انتهى‏.‏

وليس بين رواية أبي جمرة ورواية غيره منافاة لأنه زاد عليهم ذكر الاشتراك ووافقهم على ذكر الشاة، وإنما أراد ابن عباس بالاقتصار على الشاة الرد على من زعم اختصاص الهدي بالإبل والبقر، وذلك واضح فيما سنذكره بعد هذا‏.‏

وأما رواية محمد عن ابن عباس فمتقطعة، ومع ذلك لو كانت متصلة احتمل أن يكون ابن عباس أخبر أنه كان لا يرى ذلك من جهة الاجتهاد حتى صح عنده النقل بصحة الاشتراك فأفتى به أبا جمرة، وبهذا تجتمع الأخبار، وهو أولى من الطعن في رواية من أجمع العلماء على توثيقه والاحتجاج بروايته وهو أبو جمرة الضبعي‏.‏

وقد روي عن ابن عمر أنه كان لا يرى التشريك، ثم رجع عن ذلك لما بلغته السنة‏.‏

قال أحمد‏:‏ حدثنا عبد الوهاب حدثنا مجاهد عن الشعبي قال ‏"‏ سألت ابن عمر قلت‏:‏ الجزور والبقرة تجزئ عن سبعة‏؟‏ قال‏.‏

يا شعبي، ولها سبعة أنفس‏؟‏ قال قلت‏:‏ فإن أصحاب محمد يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن الجزور عن سبعة والبقرة عن سبعة‏.‏

قال فقال ابن عمر لرجل‏:‏ أكذلك يا فلان‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ ما شعرت بهذا‏"‏‏.‏

وأما تأويل إسماعيل لحديث جابر بأنه كان بالحديبية فلا يدفع الاحتجاج بالحديث، بل روى مسلم من طريق أخرى عن جابر في أثناء حديث قال ‏"‏ فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أحللنا أن نهدي ونجمع النفر منا في الهدية ‏"‏ وهذا يدل على صحة أصل الاشتراك، واتفق من قال بالاشتراك على أنه لا يكون في أكثر من سبعة، إلا إحدى الروايتين عن سعيد بن المسيب فقال‏:‏ تجزئ عن عشرة، وبه قال إسحاق بن راهويه وابن خزيمة من الشافعية، واحتج لذلك في صحيحه وقواه، واحتج له ابن خزيمة بحديث رافع بن خديج ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم قسم فعدل عشرا من الغنم ببعير ‏"‏ الحديث وهو في الصحيحين، وأجمعوا على أن الشاة لا يصح الاشتراك فيها، وقوله ‏"‏أو شاة ‏"‏ هو قول الجمهور، ورواه الطبري وابن أبي حاتم بأسانيد صحيحة عنهم، ورويا بإسناد قوي عن القاسم بن محمد عن عائشة وابن عمر أنهما كانا لا يريان ما استيسر من الهدي إلا من الإبل والبقر‏.‏

ووافقهما القاسم وطائفة‏.‏

قال إسماعيل القاضي في ‏"‏ الأحكام ‏"‏ له‏:‏ أظنهم ذهبوا إلى ذلك لقوله تعالى ‏(‏والبدن جعلناها لكم من شعائر الله‏)‏ فذهبوا إلى تخصيص ما يقع عليه اسم البدن، قال‏:‏ ويرد هذا قوله تعالى ‏(‏هديا بالغ الكعبة‏)‏ وأجمع المسلمون أن في الظبي شاة فوقع عليها اسم هدي‏.‏

قلت‏:‏ قد احتج بذلك ابن عباس فأخرج الطبري بإسناد صحيح إلى عبد الله بن عبيد بن عمير قال قال ابن عباس‏:‏ الهدي شاة‏.‏

فقيل له في ذلك، قال‏:‏ أنا أقرأ عليكم من كتاب الله ما تقوون به، ما في الظبي‏؟‏ قالوا شاة، قال‏:‏ فإن الله تعالى يقول ‏(‏هديا بالغ الكعبة‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومتعة متقبلة‏)‏ قال الإسماعيلي وغيره‏:‏ تفرد النضر بقوله ‏"‏ متعة ‏"‏ ولا أعلم أحدا من أصحاب شعبة رواه عنه إلا قال ‏"‏ عمرة ‏"‏ وقال أبو نعيم‏:‏ قال أصحاب شعبة كلهم عمرة إلا النضر فقال متعة‏.‏

قلت‏:‏ وقد أشار المصنف إلى هذا بما علقه بعد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال آدم ووهب بن جرير وغندر عن شعبة عمرة إلخ‏)‏ أما طريق آدم فوصلها عنه في ‏"‏ باب التمتع والقران ‏"‏ وأما طريق وهب بن جرير فوصلها البيهقي من طريق إبراهيم بن مرزوق عن وهب وأما طريق غندر فوصلها أحمد عنه، وأخرجها مسلم عن أبي موسى وبندار كلاهما عن غندر‏.‏

*3*باب رُكُوبِ الْبُدْنِ

لِقَوْلِهِ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرْ الْمُحْسِنِينَ قَالَ مُجَاهِدٌ سُمِّيَتْ الْبُدْنَ لِبُدْنِهَا وَالْقَانِعُ السَّائِلُ وَالْمُعْتَرُّ الَّذِي يَعْتَرُّ بِالْبُدْنِ مِنْ غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ وَشَعَائِرُ اسْتِعْظَامُ الْبُدْنِ وَاسْتِحْسَانُهَا وَالْعَتِيقُ عِتْقُهُ مِنْ الْجَبَابِرَةِ وَيُقَالُ وَجَبَتْ سَقَطَتْ إِلَى الْأَرْضِ وَمِنْهُ وَجَبَتْ الشَّمْسُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ركوب البدن لقوله تعالى‏:‏ والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير، فاذكروا اسم الله عليها صواف، فإذا وجبت جنوبها - إلى قوله تعالى - وبشر المحسنين‏)‏ هكذا في رواية أبي ذر وأبي الوقت، وساق في رواية كريمة الآيتين، واستدل المصنف لجواز ركوب البدن بعموم قوله تعالى ‏(‏لكم فيها خير‏)‏ وأشار إلى قول إبراهيم النخعي ‏(‏لكم فيها خير‏)‏ ‏:‏ من شاء ركب ومن شاء حلب، أخرجه ابن أبي حاتم وغيره عنه بإسناد جيد‏.‏

والبدن بسكون الدال في قراءة الجمهور، وقرأ الأعرج وهي رواية عن عاصم بضمها، وأصلها من الإبل وألحقت بها البقر شرعا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال مجاهد سميت البدن لبدنها‏)‏ هو بفتح الموحدة والمهملة لـلأكثر، وبضمها وسكون الدال لبعضهم‏.‏

وفي رواية الكشميهني لبدانتها أي سمنها، وكذا أخرجه عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال‏:‏ إنما سميت البدن من قبل السمانة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والقانع السائل، والمعتر الذي يعتر بالبدن من غني أو فقير‏)‏ أي يطيف بها متعرضا لها، وهذا التعليق أخرجه أيضا عبد بن حميد من طريق عثمان بن الأسود قلت لمجاهد‏:‏ ما القانع‏؟‏ قال جارك الذي ينتظر ما دخل بيتك، والمعتر الذي يعتر ببابك ويريك نفسه ولا يسألك شيئا‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال‏:‏ القانع هو الطامع‏.‏

وقال مرة‏:‏ هو السائل‏.‏

ومن طريق الثوري عن فرات عن سعيد بن جبير‏:‏ المعتر الذي يعتريك يزورك ولا يسألك‏.‏

ومن طريق ابن جريج عن مجاهد‏:‏ المعتر الذي يعتر بالبدن من غني أو فقير‏.‏

وقال الخليل في العين‏:‏ القنوع المتذلل للمسألة، قنع إليه مال وخضع، وهو السائل‏.‏

والمعتر الذي يعترض ولا يسأل‏.‏

ويقال قنع بكسر النون إذا رضي وقنع بفتحها إذا سأل‏.‏

وقرأ الحسن ‏"‏ المعتري ‏"‏ وهو بمعنى المعتر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وشعائر الله استعظام البدن واستحسانها‏)‏ أخرجه عبد بن حميد أيضا من طريق ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله‏:‏ ‏(‏ومن يعظم شعائر الله‏)‏ قال استعظام البدن استحسانها واستسمانها‏.‏

ورواه ابن أبي شيبة من وجه آخر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس نحوه، لكن فيه ابن أبي ليلى وهو سيئ الحفظ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والعتيق عتقه من الجبابرة‏)‏ أخرج عبد بن حميد أيضا من طريق سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال‏:‏ إنما سمي العتيق لأنه أعتق من الجبابرة‏.‏

وقد جاء هذا مرفوعا أخرجه البزار من حديث عبد الله بن الزبير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويقال وجبت سقطت إلى الأرض ومنه وجبت الشمس‏)‏ هو قول ابن عباس‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق مقسم عن ابن عباس قال‏:‏ فإذا وجبت أي سقطت، وكذا أخرجه الطبري من طريقين عن مجاهد‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ ارْكَبْهَا فَقَالَ إِنَّهَا بَدَنَةٌ فَقَالَ ارْكَبْهَا قَالَ إِنَّهَا بَدَنَةٌ قَالَ ارْكَبْهَا وَيْلَكَ فِي الثَّالِثَةِ أَوْ فِي الثَّانِيَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن الأعرج‏)‏ لم تختلف الرواة عن مالك عن أبي الزناد فيه، ورواه ابن عيينة عن أبي الزناد فقال عن الأعرج عن أبي هريرة، أو عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان عن أبيه عن أبي هريرة، أخرجه سعيد بن منصور عنه‏.‏

وقد رواه الثوري عن أبي الزناد بالإسنادين مفرقا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رأى رجلا‏)‏ لم أقف على اسمه بعد طول البحث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يسوق بدنة‏)‏ كذا في معظم الأحاديث، ووقع لمسلم من طريق بكير بن الأخنس عن أنس ‏"‏ مر ببدنة أو هدية ‏"‏ ولأبي عوانة من هذا الوجه ‏"‏ أو هدي‏"‏، وهو مما يوضح أنه ليس المراد بالبدنة مجرد مدلولها اللغوي‏.‏

ولمسلم من طريق المغيرة عن أبي الزناد ‏"‏ بينا رجل يسوق بدنة مقلدة ‏"‏ وكذا في طريق همام عن أبي هريرة، وسيأتي للمصنف في ‏"‏ باب تقليد البدن ‏"‏ أنها كانت مقلدة نعلا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال اركبها‏)‏ زاد النسائي من طريق سعيد عن قتادة، والجوزقي من طريق حميد عن ثابت كلاهما عن أنس ‏"‏ وقد جهده المشي ‏"‏ ولأبي يعلى من طريق الحسن عن أنس ‏"‏ حافيا ‏"‏ لكنها ضعيفة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويلك في الثانية أو في الثالثة‏)‏ وقع في رواية همام عند مسلم ‏"‏ ويلك اركبها، ويلك اركبها ‏"‏ ولأحمد من رواية عبد الرحمن بن إسحاق والثوري كلاهما عن أبي الزناد، ومن طريق عجلان عن أبي هريرة قال ‏"‏ اركبها ويحك‏.‏

قال‏:‏ إنها بدنة‏.‏

قال‏:‏ اركبها ويحك ‏"‏ زاد أبو يعلى من رواية الحسن ‏"‏ فركبها ‏"‏ وقد قلنا إنها ضعيفة، لكن سيأتي للمصنف من طريق عكرمة عن أبي هريرة ‏"‏ فلقد رأيته راكبها يساير النبي صلى الله عليه وسلم والنعل في عنقها ‏"‏ وتبين بهذه الطرق أنه أطلق البدنة على الواحدة من الإبل المهداة إلى البيت الحرام، ولو كان المراد مدلولها اللغوي لم يحصل الجواب بقوله إنها بدنة لأن كونها من الإبل معلوم، فالظاهر أن الرجل ظن أنه خفي كونها هديا فلذلك قال إنها بدنة، والحق أنه لم يخف ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم لكونها كانت مقلدة، ولهذا قال له لما زاد في مراجعته ‏"‏ ويلك ‏"‏ واستدل به على جواز ركوب الهدي سواء كان واجبا أو متطوعا به؛ لكونه صلى الله عليه وسلم لم يستفصل صاحب الهدي عن ذلك، فدل على أن الحكم لا يختلف بذلك‏.‏

وأصرح من هذا ما أخرجه أحمد من حديث علي ‏"‏ أنه سئل‏:‏ هل يركب الرجل هديه‏؟‏ فقال‏:‏ لا بأس، قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بالرجال يمشون فيأمرهم يركبون هديه ‏"‏ أي هدي النبي صلى الله عليه وسلم، إسناده صالح‏.‏

وبالجواز مطلقا قال عروة بن الزبير، ونسبه ابن المنذر لأحمد وإسحاق، وبه قال أهل الظاهر، وهو الذي جزم به النووي في ‏"‏ الروضة ‏"‏ تبعا لأصله في الضحايا، ونقله في ‏"‏ شرح المهذب ‏"‏ عن القفال والماوردي، ونقل فيه عن أبي حامد والبندنيجي وغيرهما تقييده بالحاجة‏.‏

وقال الروياني‏:‏ تجويزه بغير حاجة يخالف النص، وهو الذي حكاه الترمذي عن الشافعي وأحمد وإسحاق، وأطلق ابن عبد البر كراهة ركوبها بغير حاجة عن الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأكثر الفقهاء، وقيده صاحب ‏"‏ الهداية ‏"‏ من الحنفية بالاضطرار إلى ذلك، وهو المنقول عن الشعبي عند ابن أبي شيبة ولفظه‏:‏ لا يركب الهدي إلا من لا يجد منه بدا‏.‏

ولفظ الشافعي الذي نقله ابن المنذر وترجم له البيهقي‏:‏ يركب إذا اضطر ركوبا غير فادح‏.‏

وقال ابن العربي عن مالك‏:‏ يركب للضرورة، فإذا استراح نزل‏.‏

ومقتضى من قيده بالضرورة أن من انتهت ضرورته لا يعود إلى ركوبها إلا من ضرورة أخرى، والدليل على اعتبار هذه القيود الثلاثة - وهي الاضطرار والركوب بالمعروف وانتهاء الركوب بانتهاء الضرورة - ما رواه مسلم من حديث جابر مرفوعا بلفظ ‏"‏ اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهرا ‏"‏ فإن مفهومه أنه إذا وجد غيرها تركها، وروى سعيد بن منصور من طريق إبراهيم النخعي قال‏:‏ يركبها إذا أعيا قدر ما يستريح على ظهرها‏.‏

وفي المسألة مذهب خامس وهو المنع مطلقا نقله ابن العربي عن أبي حنيفة وشنع عليه، ولكن الذي نقله الطحاوي وغيره الجواز بقدر الحاجة إلا أنه قال‏:‏ ومع ذلك يضمن ما نقص منها بركوبه‏.‏

وضمان النقص وافق عليه الشافعية في الهدي الواجب كالنذر‏.‏

ومذهب سادس وهو وجوب ذلك نقله ابن عبد البر عن بعض أهل الظاهر تمسكا بظاهر الأمر، ولمخالفة ما كانوا عليه في الجاهلية من البحيرة والسائبة، ورده بأن الذين ساقوا الهدي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا كثيرا ولم يأمر أحدا منهم بذلك انتهى‏.‏

وفيه نظر لما تقدم من حديث علي، وله شاهد مرسل عند سعيد بن منصور بإسناد صحيح رواه أبو داود في ‏"‏ المراسيل ‏"‏ عن عطاء ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالبدنة إذا احتاج إليها سيدها أن يحمل عليها ويركبها غير منهكها‏.‏

قلت‏:‏ ماذا‏؟‏ قال‏:‏ الراجل والمتيع اليسير فإن نتجت حمل عليها ولدها ‏"‏ ولا يمتنع القول بوجوبه إذا تعين طريقا إلى إنقاذ مهجة إنسان من الهلاك‏.‏

واختلف المجيزون هل يحمل عليها متاعه‏؟‏ فمنعه مالك وأجازه الجمهور‏.‏

وهل يحمل عليها غيره‏؟‏ أجازه الجمهور أيضا على التفصيل المتقدم‏.‏

ونفل عياض الإجماع على أنه لا يؤجرها‏.‏

وقال الطحاوي في ‏"‏ اختلاف العلماء ‏"‏‏:‏ قال أصحابنا والشافعي إن احتلب منها شيئا تصدق به‏.‏

فإن أكله تصدق بثمنه، ويركب إذا احتاج فإن نقصه ذلك ضمن‏.‏

وقال مالك‏:‏ لا يشرب من لبنه فإن شرب لم يغرم‏.‏

ولا يركب إلا عند الحاجة فإن ركب لم يغرم‏.‏

وقال الثوري‏:‏ لا يركب إلا إذا اضطر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويلك‏)‏ قال القرطبي‏:‏ قالها له تأديبا لأجل مراجعته له مع عدم خفاء الحال عليه، وبهذا جزم ابن عبد البر وابن العربي وبالغ حتى قال‏:‏ الويل لمن راجع في ذلك بعد هذا قال‏:‏ ولولا أنه صلى الله عليه وسلم اشترط على ربه ما اشترط لهلك ذلك الرجل لا محالة‏.‏

قال القرطبي‏:‏ ويحتمل أن يكون فهم عنه أنه يترك ركوبها على عادة الجاهلية في السائبة وغيرها فزجره عن ذلك، فعلى الحالتين هي إنشاء‏.‏

ورجحه عياض وغيره قالوا‏:‏ والأمر هنا وإن قلنا إنه للإرشاد لكنه استحق الذم بتوقفه على امتثال الأمر‏.‏

والذي يظهر أنه ما ترك الامتثال عنادا، ويحتمل أن يكون ظن أنه يلزمه غرم بركوبها أو إثم وأن الإذن الصادر له بركوبها إنما هو للشفقة عليه فتوقف، فلما أغلظ إليه بادر إلى الامتثال‏.‏

وقيل لأنه كان أشرف على هلكة من الجهد‏.‏

وويل كلمة تقال لمن وقع في هلكة، فالمعنى أشرفت على الهلكة فاركب، فعلى هذا هي إخبار وقيل هي كلمة تدعم بها العرب كلامها ولا تقصد معناها كقوله لا أم لك، ويقويه ما تقدم في بعض الروايات بلفظ ‏"‏ ويحك ‏"‏ بدل ويلك، قال الهروي‏:‏ ويل يقال لمن وقع في هلكة يستحقها، وويح لمن وقع في هلكة لا يستحقها‏.‏

وفي الحديث تكرير الفتوى، والندب إلى المبادرة إلى امتثال الأمر، وزجر من لم يبادر إلى ذلك وتوبيخه، وجواز مسايرة الكبار في السفر، وأن الكبير إذا رأى مصلحة للصغير لا يأنف عن إرشاده إليها، واستنبط منه المصنف جواز انتفاع الواقف بوقفه، وهو موافق للجمهور في الأوقاف العامة أما الخاصة فالوقف على النفس لا يصح عند الشافعية ومن وافقهم كما سيأتي بيانه في مكانه إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ وَشُعْبَةُ قَالَا حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ ارْكَبْهَا قَالَ إِنَّهَا بَدَنَةٌ قَالَ ارْكَبْهَا قَالَ إِنَّهَا بَدَنَةٌ قَالَ ارْكَبْهَا ثَلَاثًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أنس‏)‏ في رواية علي بن الجعد عن شعبة عند الإسماعيلي ‏"‏ سمعت أنس بن مالك‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال اركبها ثلاثا‏)‏ كذا في رواية أبي ذر مختصرا وفي رواية غيره قال ‏"‏ إنها بدنة، قال اركبها‏.‏

قال إنها بدنة، قال اركبها‏.‏

ثلاثا ‏"‏ وكذا أخرجه أبو مسلم الكجي في السنن عن مسلم بن إبراهيم شيخ البخاري فيه، ومن طريقه أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج‏"‏‏.‏

وأخرجه الإسماعيلي عن أبي خليفة عن مسلم كذلك لكن قال في آخره ‏"‏ ويلك ‏"‏ بدل ‏"‏ ثلاثا ‏"‏ وللترمذي من طريق أبي عوانة عن قتادة ‏"‏ فقال له في الثالثة أو الرابعة‏:‏ اركبها ويحك أو ويلك ‏"‏ وللنسائي من طريق سعيد عن قتادة ‏"‏ قال في الرابعة‏:‏ اركبها ويلك‏"‏‏.‏

*3*باب مَنْ سَاقَ الْبُدْنَ مَعَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من ساق البدن معه‏)‏ أي من الحل إلى الحرم، قال المهلب‏:‏ أراد المصنف أن يعرف أن السنة في الهدي أن يساق من الحل إلى الحرم، فإن اشتراه من الحرم خرج به إذا حج إلى عرفة‏.‏

وهو قول مالك قال‏:‏ فإن لم يفعل فعليه البدل، وهو قول الليث‏.‏

وقال الجمهور‏:‏ إن وقف به بعرفة فحسن وإلا فلا بدل عليه‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ ليس بسنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما ساق الهدي من الحل لأن مسكنه كان خارج الحرم‏.‏

وهذا كله في الإبل، فأما البقر فقد يضعف عن ذلك، والغنم أضعف، ومن ثم قال مالك‏:‏ لا يساق إلا من عرفة أو ما قرب منها لأنها تضعف عن قطع طول المسافة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ وَأَهْدَى فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَكَانَ مِنْ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى فَسَاقَ الْهَدْيَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِشَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلْيُقَصِّرْ وَلْيَحْلِلْ ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ فَطَافَ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ وَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ أَوَّلَ شَيْءٍ ثُمَّ خَبَّ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ وَمَشَى أَرْبَعًا فَرَكَعَ حِينَ قَضَى طَوَافَهُ بِالْبَيْتِ عِنْدَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فَانْصَرَفَ فَأَتَى الصَّفَا فَطَافَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ ثُمَّ لَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ وَنَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَفَاضَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ وَفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَهْدَى وَسَاقَ الْهَدْيَ مِنْ النَّاسِ وَعَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَخْبَرَتْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَمَتُّعِهِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَهُ بِمِثْلِ الَّذِي أَخْبَرَنِي سَالِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عقيل‏)‏ في رواية مسلم من طريق شعيب بن الليث عن أبيه ‏"‏ حدثني عقيل‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج‏)‏ قال المهلب‏:‏ معناه أمر بذلك، لأنه كان ينكر على أنس قوله أنه قرن ويقول بل كان مفردا، وأما قوله ‏"‏ وبدأ فأهل بالعمرة ‏"‏ فمعناه أمرهم بالتمتع، وهو أن يهلوا بالعمرة أولا ويقدموها قبل الحج، قال‏:‏ ولا بد من هذا التأويل لدفع التناقض عن ابن عمر‏.‏

قلت‏.‏

لم يتعين هذا التأويل المتعسف، وقد قال ابن المنير في الحاشية‏:‏ أن حمل قوله ‏"‏ تمتع ‏"‏ على معنى أمر من أبعد التأويلات، والاستشهاد عليه بقوله رجم وإنما أمر بالرجم من أوهن الاستشهادات، لأن الرجم من وظيفة الإمام، والذي يتولاه إنما يتولاه نيابة عنه، وأما أعمال الحج من إفراد وقران وتمتع فإنه وظيفة كل أحد عن نفسه‏.‏

ثم أجاز تأويلا آخر وهو أن الراوي عهد أن الناس لا يفعلون إلا كفعله لا سيما مع قوله ‏"‏ خذوا عني مناسككم ‏"‏ فلما تحقق أن الناس تمتعوا ظن أنه عليه الصلاة والسلام تمتع فأطلق ذلك‏.‏

قلت‏:‏ ولم يتعين هذا أيضا، بل يحتمل أن يكون معنى قوله ‏"‏ تمتع ‏"‏ محمولا على مدلوله اللغوي وهو الانتفاع بإسقاط عمل العمرة والخروج إلى ميقاتها وغيرها، بل قال النووي‏.‏

أن هذا هو المتعين‏.‏

قال‏:‏ وقوله ‏"‏ بالعمرة إلى الحج ‏"‏ أي بإدخال العمرة على الحج، وقد قدمنا في ‏"‏ باب التمتع والقران ‏"‏ تقرير هذا التأويل، وإنما المشكل هنا قوله ‏"‏ بدأ فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج ‏"‏ لأن الجمع بين الأحاديث الكثيرة في هذا الباب استقر كما تقدم على أنه بدأ أولا بالحج ثم أدخل عليه العمرة، وهذا بالعكس‏.‏

وأجيب عنه بأن المراد به صورة الإهلال، أي لما أدخل العمرة على الحج لبى بهما فقال‏:‏ لبيك بعمرة وحجة معا‏.‏

وهذا مطابق لحديث أنس المتقدم، لكن قد أنكر ابن عمر ذلك على أنس، فيحتمل أن يحمل إنكار ابن عمر عليه كونه أطلق أنه صلى الله عليه وسلم جمع بينهما أي في ابتداء الأمر، ويعين هذا التأويل قوله في نفس الحديث ‏"‏ وتمتع الناس إلخ ‏"‏ فإن الذين تمتعوا إنما بدؤوا بالحج لكن فسخوا حجهم إلى العمرة حتى حلوا بعد ذلك بمكة ثم حجوا من عامهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فساق معه الهدي من ذي الحليفة‏)‏ أي من الميقات، وفيه الندب إلى سوق الهدي من المواقيت ومن الأماكن البعيدة، وهي من السنن التي أغفلها كثير من الناس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإنه لا يحل من شيء‏)‏ تقدم بيانه في حديث حفصة في ‏"‏ باب التمتع والقران‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويقصر‏)‏ كذا لأبي ذر، وأما الأكثر فعندهم ‏"‏ وليقصر ‏"‏ وكذا في رواية مسلم، قال النووي‏:‏ معناه أنه يفعل الطواف والسعي والتقصير ويصير حلالا، وهذا دليل على أن الحلق أو التقصير نسك، وهو الصحيح، وقيل استباحة محظور‏.‏

قال‏:‏ وإنما أمره بالتقصير دون الحلق مع أن الحلق أفضل ليبقى له شعر يحلقه في الحج‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وليحلل‏)‏ هو أمر معناه الخبر أي قد صار حلالا فله فعل كل ما كان محظورا عليه في الإحرام، ويحتمل أن يكون أمرا على الإباحة لفعل ما كان عليه حراما قبل الإحرام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم ليهل بالحج‏)‏ أي يحرم وقت خروجه إلى عرفة، ولهذا أتى بثم الدالة على التراخي، فلم يرد أن يهل بالحج عقب إهلاله من العمرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وليهد‏)‏ أي هدي التمتع وهو واجب بشروطه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج‏)‏ أي لم يجد الهدي بذلك المكان، ويتحقق ذلك بأن يعدم الهدي أو يعدم ثمنه حينئذ أو يجد ثمنه لكن يحتاج إليه لأهم من ذلك أو يجده لكن يمتنع صاحبه من بيعه أو يمتنع من بيعه إلا بغلائه فينقل إلى الصوم كما هو نص القرآن، والمراد بقوله ‏"‏ في الحج ‏"‏ أي بعد الإحرام به‏.‏

وقال النووي‏:‏ هذا هو الأفضل، فإن صامها قبل الإهلال بالحج أجزأه على الصحيح، وأما قبل التحلل من العمرة فلا على الصحيح قاله مالك وجوزه الثوري وأصحاب الرأي، وعلى الأول فمن استحب صيام عرفة بعرفة قال‏:‏ يحرم يوم السابع ليصوم السابع والثامن والتاسع وإلا فيحرم يوم السادس ليفطر بعرفة، فإن فاته الصوم قضاه، وقيل يسقط ويستقر الهدي في ذمته وهو قول الحنفية‏.‏

وفي صوم أيام التشريق لهذا قولان للشافعية أظهرهما لا يجوز، قال النووي‏:‏ وأصحهما من حيث الدليل الجواز‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم خب‏)‏ تقدم الكلام عليه في ‏"‏ باب استلام الحجر الأسود ‏"‏ وتقدم الكلام على السعي في بابه، وقوله ‏"‏ثم سلم فانصرف فأتى الصفا ‏"‏ ظاهره أنه لم يتخلل بينهما عمل آخر، لكن في حديث جابر الطويل في صفة الحج عند مسلم ‏"‏ ثم رجع إلى الحجر فاستلمه ثم خرج من باب الصفا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم حل من كل شيء حرم منه‏)‏ تقدم أن سبب عدم إحلاله كونه ساق الهدي، وإلا لكان يفسخ الحج إلى العمرة ويتحلل منها كما أمر به أصحابه‏.‏

واستدل به على أن التحلل لا يقع بمجرد طواف القدوم خلافا لابن عباس وهو واضح، وقد تقدم البحث فيه‏.‏

وقوله ‏"‏وفعل مثل ما فعل ‏"‏ إشارة إلى عدم خصوصيته بذلك، وفيه مشروعية طواف القدوم للقارن والرمل فيه إن عقبه بالسعي، وتسمية السعي طوافا، وطواف الإفاضة يوم النحر، واستدل به على أن الحلق ليس بركن، وليس بواضح لأنه لا يلزم من ترك ذكره في هذا الحديث أن لا يكون وقع بل هو داخل في عموم قوله ‏"‏ حتى قضى حجه‏"‏‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع بين قوله ‏"‏ وفعل مثل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وبين قوله ‏"‏ من أهدى وساق الهدي من الناس ‏"‏ في رواية أبي الوقت لفظ ‏"‏ باب ‏"‏ وقال ‏"‏ فيه عن عروة عن عائشة إلخ ‏"‏ وهو خطأ شنيع فإن قوله ‏"‏ من أهدى ‏"‏ فاعل قوله ‏"‏ وفعل ‏"‏ فالفصل بينهما بلفظ باب خطأ ويصير فاعل فعل محذوفا، وأغرب الكرماني فشرحه على أن فاعل فعل هو ابن عمر راوي الخبر، وأما أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ فساق الحديث بتمامه إلخ ثم أعاد هذا اللفظ بترجمة مستقلة، وساق حديث عائشة بالإسناد الذي قبله وقال في كل منهما ‏"‏ أخرجه البخاري عن يحيى بن بكير ‏"‏ وهذا غريب والأصوب ما رواه الأكثر، ووقع في رواية أبي الوليد الباجي عن أبي ذر بعد قوله ‏"‏ ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فاصلة صورتها ‏(‏‏.‏

‏)‏ وبعدها ‏"‏ من أهدى وساق الهدي من الناس ‏"‏ وعن عروة أن عائشة أخبرته‏.‏

قال أبو الوليد‏:‏ أمرنا أبو ذر أن نضرب على هذه الترجمة، يعني قوله ‏"‏ من أهدى وساق الهدي من الناس ‏"‏ انتهى‏.‏

وهو عجيب من أبي الوليد ومن شيخه، فإن قوله ‏"‏ من أهدى ‏"‏ هو صفة لقوله ‏"‏ وفعل ‏"‏ ولكنهما ظنا أنها ترجمة فحكما عليها بالوهم، وليس كذلك‏.‏

وكذا أخرجه مسلم من رواية شعيب فساق حديث ابن عمر إلى قوله ‏"‏ من الناس ‏"‏ ثم أعاد الإسناد بعينه إلى عائشة قال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمتعه بالحج إلى العمرة ‏"‏ وتمتع الناس معه بمثل الذي أخبرني سالم عن عبد الله ‏"‏ وقد تعقب المهلب قول الزهري ‏"‏ بمثل الذي أخبرني سالم ‏"‏ فقال‏:‏ يعني مثله في الوهم لأن أحاديث عائشة كلها شاهدة بأنه حج مفردا‏.‏

قلت‏:‏ وليس وهما إذ لا مانع من الجمع بين الروايتين بمثل ما جمعنا به بين المختلف عن ابن عمر بأن يكون المراد بالإفراد في حديثها البداءة بالحج وبالتمتع بالعمرة إدخالها على الحج، وهو أولى من توهيم جبل من جبال الحفظ‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب مَنْ اشْتَرَى الْهَدْيَ مِنْ الطَّرِيقِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من اشترى الهدي من الطريق‏)‏ أي سواء كان في الحل أو الحرم إذ سوقه معه من بلده ليس بشرط‏.‏

وقال ابن بطال‏:‏ أراد أن يبين أن مذهب ابن عمر في الهدي أنه ما أدخل من الحل إلى الحرم، لأن قديدا من الحل‏.‏

قلت‏:‏ لا يخفى أن الترجمة أعم من فعل ابن عمر فكيف تكون بيانا له‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لِأَبِيهِ أَقِمْ فَإِنِّي لَا آمَنُهَا أَنْ سَتُصَدُّ عَنْ الْبَيْتِ قَالَ إِذًا أَفْعَلُ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فَأَنَا أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ عَلَى نَفْسِي الْعُمْرَةَ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الدَّارِ قَالَ ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْبَيْدَاءِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَقَالَ مَا شَأْنُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إِلَّا وَاحِدٌ ثُمَّ اشْتَرَى الْهَدْيَ مِنْ قُدَيْدٍ ثُمَّ قَدِمَ فَطَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا فَلَمْ يَحِلَّ حَتَّى حَلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإني لا آمنها‏)‏ بالمد وفتح الميم الخفيفة، وقد تقدم في ‏"‏ باب طواف القارن ‏"‏ بلفظ ‏"‏ لا آمن ‏"‏ والهاء هنا ضمير الفتنة أي لا آمن الفتنة أن تكون سببا في صدك عن البيت، وسيأتي بيان ذلك في ‏"‏ باب المحصر ‏"‏ مع بقية الكلام عليه‏.‏

وفي رواية المستملي والسرخسي هنا ‏"‏ لا أيمنها ‏"‏ وقد تقدم ضبطه وشرحه في ‏"‏ باب طواف القارن‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن تصد‏)‏ في رواية السرخسي ‏"‏ أن ستصد ‏"‏ قوله‏:‏ ‏(‏فأهل بالعمرة‏)‏ زاد في رواية أبي ذر ‏"‏ من الدار ‏"‏ وكذا أخرجه أبو نعيم من رواية علي بن عبد العزيز عن أبي النعمان شيخ البخاري فيه، ويؤخذ منه جواز الإحرام من قبل الميقات، وللعلماء فيه اختلاف‏:‏ فنقل ابن المنذر الإجماع على الجواز، ثم قيل هو أفضل من الإحرام من الميقات، وقيل دونه، وقيل مثله، وقيل من كان له ميقات معين فهو في حقه أفضل وإلا فمن داره، وللشافعية في أرجحية الميقات عن الدار اختلاف‏.‏

وقال الرافعي يؤخذ من تعليلهم أن من أمن على نفسه كان أرجح في حقه وإلا فمن الميقات أفضل، وقد تقدم قول المصنف ‏"‏ وكره عثمان أن يحرم من خراسان أو كرمان ‏"‏ في ‏"‏ باب قوله تعالى الحج أشهر معلومات‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلم يحل حتى حل‏)‏ في رواية السرخسي ‏"‏ حتى أحل ‏"‏ بزيادة ألف والحاء مفتوحة وهي لغة شهيرة يقال حل وأحل‏.‏

*3*باب مَنْ أَشْعَرَ وَقَلَّدَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ أَحْرَمَ

وَقَالَ نَافِعٌ كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِذَا أَهْدَى مِنْ الْمَدِينَةِ قَلَّدَهُ وَأَشْعَرَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ يَطْعُنُ فِي شِقِّ سَنَامِهِ الْأَيْمَنِ بِالشَّفْرَةِ وَوَجْهُهَا قِبَلَ الْقِبْلَةِ بَارِكَةً

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من أشعر وقلد بذي الحليفة ثم أحرم‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ غرضه أن يبين أن المستحب أن لا يشعر المحرم ولا يقلد إلا في ميقات بلده انتهى‏.‏

والذي يظهر أن غرضه الإشارة إلى رد قول مجاهد لا يشعر حتى يحرم أخرجه ابن أبي شيبة لقوله في الترجمة ‏"‏ من أشعر ثم أحرم ‏"‏ ووجه الدلالة لذلك من حديث المسور قوله ‏"‏ حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد الهدي وأحرم ‏"‏ فإن ظاهره البداءة بالتقليد، ومن حديث عائشة قوله ‏"‏ ثم قلدها وأشعرها وما حرم عليه شيء ‏"‏ فإنه يدل على أن تقدم الإحرام ليس شرطا في صحة التقليد والإشعار، وأبين من ذلك لتحصيل مقصود الترجمة ما أخرجه مسلم من حديث ابن عباس قال ‏"‏ صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بذي الحليفة ثم دعا بناقته فأشعرها في سنامها الأيمن وسلت الدم وقلدها نعلين ثم ركب راحلته، فلما استوت به على البيداء أهل بالحج ‏"‏ وسيأتي الكلام على حديث المسور حيث ساقه المصنف مطولا في كتاب الشروط وعلى حديث عائشة بعد بابين‏.‏

قوله في صدر الباب ‏(‏وقال نافع كان ابن عمر إلخ‏)‏ وصله مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ قال ‏"‏ عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان إذا أهدى هديا من المدينة على ساكنها الصلاة والسلام قلده بذي الحليفة يقلده قبل أن يشعره وذلك في مكان واحد وهو متوجه إلى القبلة يقلده بنعلين ويشعره من الشق الأيسر ثم يساق معه حتى يوقف به مع الناس بعرفة ثم يدفع به فإذا قدم غداة النحر نحره‏.‏

وعن نافع عن ابن عمر كان إذا طعن في سنام هديه وهو يشعره قال بسم الله والله أكبر ‏"‏ وأخرج البيهقي من طريق ابن وهب عن مالك وعبد الله بن عمر عن نافع ‏"‏ أن عبد الله بن عمر كان يشعر بدنه من الشق الأيسر إلا أن تكون صعابا، فإذا لم يستطع أن يدخل بينها أشعر من الشق الأيمن، وإذا أراد أن يشعرها وجهها إلى القبلة ‏"‏ وتبين بهذا أن ابن عمر كان يطعن في الأيمن تارة وفي الأيسر أخرى بحسب ما يتهيأ له ذلك، وإلى الإشعار في الجانب الأيمن ذهب الشافعي وصاحبا لأبي حنيفة وأحمد في رواية، وإلى الأيسر ذهب مالك وأحمد في رواية، ولم أر في حديث ابن عمر ما يدل على تقدم ذلك على إحرامه‏.‏

وذكر ابن عبد البر في ‏"‏ الاستذكار ‏"‏ عن مالك قال‏:‏ لا يشعر الهدي إلا عند الإهلال، يقلده ثم يشعره ثم يصلي ثم يحرم‏.‏

وفي هذا الحديث مشروعية الإشعار، وفائدته الإعلام بأنها صارت هديا ليتبعها من يحتاج إلى ذلك، وحتى لو اختلطت بغيرها تميزت، أو ضلت عرفت، أو عطبت عرفها المساكين بالعلامة فأكلوها مع ما في ذلك من تعظيم شعار الشرع وحث الغير عليه‏.‏

وأبعد من منع الإشعار، واعتل باحتمال أنه كان مشروعا قبل النهي عن المثلة، فإن النسخ لا يصار إليه بالاحتمال، بل وقع الإشعار في حجة الوداع وذلك بعد النهي عن المثلة بزمان، وسيأتي نقل الخلاف في ذلك بعد باب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ قَالَا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ الْمَدِينَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَ وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏زمن الحديبية‏)‏ وقع عند الكشميهني ‏"‏ من المدينة‏"‏‏.‏

*3*باب فَتْلِ الْقَلَائِدِ لِلْبُدْنِ وَالْبَقَرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب فتل القلائد للبدن والبقر‏)‏ أورد فيه حديث حفصة ‏"‏ ما شأن الناس حلوا ‏"‏ وحديث عائشة ‏"‏ كان يهدي من المدينة فأفتل قلائد هديه ‏"‏ قال ابن المنير في الحاشية‏:‏ ليس في الحديثين ذكر البقر إلا أنهما مطلقان، وقد صح أنه أهداهما جميعا، كذا قال، وكأنه أراد حديث عائشة ‏"‏ دخل علينا يوم النحر بلحم بقر ‏"‏ الحديث وسيأتي بعد أبواب، ولا دلالة فيه على أنه كان ساق البقر، وترجمة البخاري صحيحة لأنه إن كان المراد بالهدي في الحديث الإبل والبقر معا فلا كلام، وإن كان المراد الإبل خاصة فالبقر في معناها، وقد سبق الكلام على حديث حفصة مستوفى في ‏"‏ باب التمتع والقران ‏"‏ ومناسبته للترجمة من جهة أن التقليد يستلزم تقدم الفتل عليه، ويوضح ذلك حديث عائشة المذكور معه، ويأتي الكلام عليه بعد باب‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ أخذ بعض المتأخرين من اقتصار البخاري في هذه الترجمة على الإبل والبقر أنه موافق لمالك وأبي حنيفة في أن الغنم لا تقلد، وغفل هذا المتأخر عن أن البخاري أفرد ترجمة لتقليد الغنم بعد أبواب يسيرة كعادته في تفريق الأحكام في التراجم‏.‏

*3*باب إِشْعَارِ الْبُدْنِ

وَقَالَ عُرْوَةُ عَنْ الْمِسْوَرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَلَّدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إشعار البدن‏)‏ ذكر فيه حديث عروة عن المسور معلقا، وقد تقدم موصولا قبل باب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ فَتَلْتُ قَلَائِدَ هَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَشْعَرَهَا وَقَلَّدَهَا أَوْ قَلَّدْتُهَا ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إِلَى الْبَيْتِ وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ فَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ لَهُ حِلٌّ

الشرح‏:‏

حديث عائشة ‏"‏ فتلت قلائد هدي النبي صلى الله عليه وسلم ثم أشعرها وقلدها ‏"‏ الحديث فيه مشروعية الإشعار، وهو أن يكشط جلد البدنة حتى يسيل مم ثم يسلته فيكون ذلك علامة على كونها هديا، وبذلك قال الجمهور من السلف والخلف، وذكر الطحاوي في ‏"‏ اختلاف العلماء ‏"‏ كراهته عن أبي حنيفة، وذهب غيره إلى استحبابه للاتباع، حتى صاحباه أبو يوسف ومحمد فقالا‏:‏ هو حسن‏.‏

قال وقال مالك‏:‏ يختص الإشعار بمن لها سنام، قال الطحاوي‏:‏ ثبت عن عائشة وابن عباس التخيير في الإشعار وتركه، فدل على أنه ليس بنسك، لكنه غير مكروه لثبوت فعله عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقال الخطابي وغيره‏:‏ اعتلال من كره الإشعار بأنه من المثلة مردود، بل هو باب آخر كالكي وشق أذن الحيوان ليصير علامة وغير ذلك من الوسم‏.‏

وكالختان والحجامة، وشفقة الإنسان على المال عادة فلا يخشى ما توهموه من سريان الجرح حتى يفضي إلى الهلاك، ولو كان ذلك هو الملحوظ لقيده الذي كرهه به كأنه يقول‏:‏ الإشعار الذي يفضي بالجرح إلى السراية حتى تهلك البدنة مكروه، فكان قريبا‏.‏

وقد كثر تشنيع المتقدمين على أبي حنيفة في إطلاقه كراهة الإشعار، وانتصر له الطحاوي في ‏"‏ المعاني ‏"‏ فقال‏:‏ لم يكره أبو حنيفة أصل الإشعار، وإنما كره ما يفعل على وجه يخاف منه هلاك البدن كسراية الجرح، ولا سيما مع الطعن بالشفرة، فأراد سد الباب عن العامة لأنهم لا يراعون الحد في ذلك، وأما من كان عارفا بالسنة في ذلك فلا‏.‏

وفي هذا تعقب على الخطابي حيث قال‏:‏ لا أعلم أحدا كره الإشعار إلا أبا حنيفة، وخالفه صاحباه فقالا بقول الجماعة انتهى‏.‏

وروي عن إبراهيم النخعي أيضا أنه كره الإشعار، ذكر ذلك الترمذي قال‏:‏ سمعت أبا السائب يقول كنا عند وكيع فقال له رجل‏:‏ روي عن إبراهيم النخعي أنه قال الإشعار مثلة، فقال له وكيع‏:‏ أقول لك أشعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول قال إبراهيم‏؟‏ ما أحقك بأن تحبس انتهى‏.‏

وفيه تعقب على ابن حزم في زعمه أنه ليس لأبي حنيفة في ذلك سلف‏.‏

وقد بالغ ابن حزم في هذا الموضع‏.‏

ويتعين الرجوع إلى ما قال الطحاوي فإنه أعلم من غيره بأقوال أصحابه‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ اتفق من قال بالإشعار بإلحاق البقر في ذلك بالإبل، إلا سعيد بن جبير‏.‏

واتفقوا على أن الغنم لا تشعر لضعفها، ولكن صوفها أو شعرها يستر موضع الإشعار، وأما على ما نقل عن مالك فلكونها ليست ذات أسنمة‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب مَنْ قَلَّدَ الْقَلَائِدَ بِيَدِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من قلد القلائد بيده‏)‏ أي الهدايا، وله حالان‏:‏ إما أن يسوق الهدي ويقصد النسك فإنما يقلدها ويشعرها عند إحرامه، وإما أن يسوقه ويقيم فيقلدها من مكانه وهو مقتضى حديث الباب، وسيأتي بيان ما يقلد به بعد باب والغرض بهذه الترجمة أنه كان عالما بابتداء التقليد ليترتب عليه ما بعده، قال ابن التين‏:‏ يحتمل أن يكون قول عائشة ‏"‏ ثم قلدها بيده ‏"‏ بيانا لحفظها للأمر ومعرفتها به، محتمل أن تكون أرادت أنه صلى الله عليه وسلم تناول ذلك بنفسه وعلم وقت التقليد، ومع ذلك فلم يمتنع من شيء يمتنع منه المحرم لئلا يظن أحد أنه استباح ذلك قبل أن يعلم بتقليد الهدي‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ زِيَادَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ كَتَبَ إِلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ مَنْ أَهْدَى هَدْيًا حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَاجِّ حَتَّى يُنْحَرَ هَدْيُهُ قَالَتْ عَمْرَةُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَيْسَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَا فَتَلْتُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيَّ ثُمَّ قَلَّدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيْهِ ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِي فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ حَتَّى نُحِرَ الْهَدْيُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم‏)‏ كذا للأكثر، وسقط ‏"‏ عمرو ‏"‏ من رواية أبي ذر‏.‏

وعمرة هي خالة عبد الله الراوي عنها، والإسناد كله مدنيون إلا شيخ البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن زياد بن أبي سفيان‏)‏ كذا وقع في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ وكأن شيخ مالك حدث به كذلك في زمن بني أمية وأما بعدهم فما كان يقال له إلا زياد ابن أبيه، وقبل استلحاق معاوية له كان يقال له زياد بن عبيد، وكانت أمه سمية مولاة الحارث بن كلدة الثقفي تحت عبيد المذكور فولدت زيادا على فراشه فكان ينسب إليه، فلما كان في خلافة معاوية شهد جماعة على إقرار أبي سفيان بأن زيادا ولده فاستلحقه معاوية لذلك وزوج ابنه ابنته وأمر زيادا على العراقين البصرة والكوفة جمعهما له ومات في خلافة معاوية سنه ثلاث وخمسين‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع عند مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك في هذا الحديث ‏"‏ أن ابن زياد ‏"‏ بدل قوله ‏"‏ أن زياد بن أبي سفيان ‏"‏ وهو وهم نبه عليه الغساني ومن تبعه، قال النووي وجميع من تكلم على صحيح مسلم‏:‏ والصواب ما وقع في البخاري، وهو الموجود عند جميع رواة الموطأ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى ينحر هديه‏)‏ زاد مسلم في روايته ‏"‏ وقد بعثت بهديي فاكتبي إلي بأمرك ‏"‏ زاد الطحاوي من رواية ابن وهب عن مالك ‏"‏ أومري صاحب الهدي ‏"‏ أي الذي معه الهدي، أي بما يصنع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قالت عمرة‏)‏ هو بالسند المذكور‏.‏

وقد روى الحديث المرفوع عن عائشة القاسم وعروة كما مضى قريبا مختصرا، ورواه عنها أيضا مسروق، وسيأتي في آخر الباب الذي بعده مختصرا، وأورده في الضحايا مطولا وترجم هناك على حكم من أهدى وأقام هل يصير محرما أو لا‏؟‏ ولم يترجم به هناك، ولفظه هناك ‏"‏ عن مسروق أنه قال‏:‏ يا أم المؤمنين إن رجلا يبعث بالهدي إلى الكعبة ويجلس في المصر فيوصي أن تقلد بدنته فلا يزال من ذلك اليوم محرما حتى يحل الناس ‏"‏ فذكر الحديث نحوه‏.‏

ولفظ الطحاوي في حديث مسروق ‏"‏ قال قلت لعائشة‏:‏ إن رجالا هاهنا يبعثون بالهدي إلى البيت ويأمرون الذي يبعثون معه بمعلم لهم يقلدها في ذلك اليوم، فلا يزالون محرمين حتى يحل الناس ‏"‏ الحديث وقال سعيد بن منصور ‏"‏ حدثنا هشيم حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا محدث عن عائشة وقيل لها إن زيادا إذا بعث بالهدي أمسك عما يمسك عنه المحرم حتى ينحر هديه، فقالت عائشة‏:‏ أو له كنبة يطوف بها‏"‏‏.‏

قال ‏"‏وحدثنا يعقوب حدثنا هشام عن أبيه بلغ عائشة أن زيادا بعث بالهدي وتجرد فقالت إن كنت لأفتل قلائد هدي النبي صلى الله عليه وسلم ثم يبعث بها وهو مقيم عندنا ما يجتنب شيئا ‏"‏ وروى مالك في الموطأ ‏"‏ عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير أنه رأى رجلا متجردا بالعراق فسأل عنه فقالوا إنه أمر بهديه أن يقلد، قال ربيعة‏:‏ فلقيت عبد الله بن الزبير فذكرت له ذلك فقال‏:‏ بدعة ورب الكعبة ‏"‏ ورواه ابن أبي شيبة ‏"‏ عن الثقفي عن يحيى بن سعيد أخبرني محمد بن إبراهيم أن ربيعة أخبره أنه رأى ابن عباس وهو أمير على البصرة في زمان علي متجردا على منبر البصرة ‏"‏ فذكره، فعرف بهذا اسم المبهم في رواية مالك‏.‏

قال ابن التين‏:‏ خالف ابن عباس في هذا جميع الفقهاء، واحتجت عائشة بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وما روته في ذلك يجب أن يصار إليه، ولعل ابن عباس رجع عنه انتهى‏.‏

وفيه قصور شديد فإن ابن عباس لم ينفرد بذلك بل ثبت ذلك عن جماعة من الصحابة منهم ابن عمر رواه ابن أبي شيبة عن ابن علية عن أيوب وابن المنذر من طريق ابن جريج كلاهما عن نافع ‏"‏ أن ابن عمر كان إذا بعث بالهدي يمسك عما يمسك عنه المحرم إلا أنه لا يلبي ‏"‏ ومنهم قيس بن سعد بن عبادة أخرج سعيد بن منصور من طريق سعيد بن المسيب عنه نحو ذلك، وروى ابن أبي شيبة من طريق محمد بن علي بن الحسين عن عمر وعلي أنهما قالا في الرجل يرسل ببدنته ‏"‏ أنه يمسك عما يمسك عنه المحرم ‏"‏ وهذا منقطع‏.‏

وقال ابن المنذر ‏"‏ قال عمر وعلي وقيس بن سعد وابن عمر وابن عباس والنخعي وعطاء وابن سيرين وآخرون‏:‏ من أرسل الهدي وأقام حرم عليه ما يحرم على المحرم‏.‏

وقال ابن مسعود وعائشة وأنس وابن الزبير وآخرون‏:‏ لا يصير بذلك محرما، وإلى ذلك صار فقهاء الأمصار، ومن حجة الأولين ما رواه الطحاوي وغيره من طريق عبد الملك بن جابر عن أبيه قال ‏"‏ كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقد قميصه من جيبه حتى أخرجه من رجليه وقال‏:‏ إني أمرت ببدني التي بعثت بها أن تقلد اليوم وتشعر على مكان كذا، فلبست قميصي ونسيت فلم أكن لأخرج قميصي من رأسي ‏"‏ الحديث وهذا لا حجة فيه لضعف إسناده، إلا أن نسبة ابن عباس إلى التفرد بذلك خطأ‏.‏

وقد ذهب سعيد بن المسيب إلى أنه لا يجتنب شيئا مما يجتنبه المحرم إلا الجماع ليلة جمع، رواه ابن أبي شيبة عنه بإسناد صحيح‏.‏

نعم جاء عن الزهري ما يدل على أن الأمر استقر على خلاف ما قال ابن عباس، ففي نسخة أبي اليمان عن شعيب عنه وأخرجه البيهقي من طريقه قال ‏"‏ أول من كشف العمى عن الناس وبين لهم السنة في ذلك عائشة ‏"‏ فذكر الحديث عن عروة وعمرة عنها قال ‏"‏ فلما بلغ الناس قول عائشة أخذوا به وتركوا فتوى ابن عباس ‏"‏ وذهب جماعة من فقهاء الفتوى إلى أن من أراد النسك صار بمجرد تقليده الهدي محرما حكاه ابن المنذر عن الثوري وأحمد وإسحاق، قال وقال أصحاب الرأي‏:‏ من ساق الهدي وأم البيت ثم قلد وجب عليه الإحرام‏.‏

قال وقال الجمهور‏:‏ لا يصير بتقليد الهدي محرما ولا يجب عليه شيء‏.‏

ونقل الخطابي عن أصحاب الرأي مثل قول ابن عباس وهو خطأ عليهم، فالطحاوي أعلم بهم منه‏.‏

ولعل الخطابي ظن التسوية بين المسألتين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بيدي‏)‏ فيه رفع مجاز أن تكون أرادت أنها فتلت بأمرها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مع أبي‏)‏ بفتح الهمزة وكسر الموحدة الخفيفة، تريد بذلك أباها أبا بكر الصديق‏.‏

واستفيد من ذلك وقت البعث وأنه كان في سنة تسع عام حج أبو بكر بالناس‏.‏

قال ابن التين‏:‏ أرادت عائشة بذلك علمها بجميع القصة، ويحتمل أن تريد أنه آخر فعل النبي صلى الله عليه وسلم لأنه حج في العام الذي يليه حجة الوداع لئلا يظن ظان أن ذلك كان في أول الإسلام ثم نسخ، فأرادت إزالة هذا اللبس وأكملت ذلك بقولها ‏"‏ فلم يحرم عليه شيء كان له حلا حتى نحر الهدي ‏"‏ أي وانقضى أمره ولم يحرم، وترك إحرامه بعد ذلك أحرى وأولى، لأنه إذا انتفى في وقت الشبهة فلأن ينتفي عند انتفاء الشبهة أولى‏.‏

وحاصل اعتراض عائشة على ابن عباس أنه ذهب إلى ما أفتى به قياسا للتولية في أمر الهدي على المباشرة له، فبينت عائشة أن هذا القياس لا اعتبار له في مقابلة هذه السنة الظاهرة‏.‏

وفي الحديث من الفوائد تناول الكبير الشيء بنفسه وإن كان له من يكفيه إذا كان مما يهتم به، ولا سيما ما كان من إقامة الشرائع وأمور الديانة‏.‏

وفيه تعقب بعض العلماء على بعض، ورد الاجتهاد بالنص، وأن الأصل في أفعاله صلى الله عليه وسلم التأسي به حتى تثبت الخصوصية‏.‏

*3*باب تَقْلِيدِ الْغَنَمِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب تقليد الغنم‏)‏ قال ابن المنذر‏:‏ أنكر مالك وأصحاب الرأي تقليدها‏.‏

زاد غيره‏:‏ وكأنهم لم يبلغهم الحديث، ولم نجد لهم حجة إلا قول بعضهم إنها تضعف عن التقليد، وهي حجة ضعيفة لأن المقصود من التقليد العلامة وقد اتفقوا على أنها لا تشعر لأنها تضعف عنه فتقلد بما لا يضعفها، والحنفية في الأصل يقولون‏:‏ ليست الغنم من الهدي، فالحديث حجة عليهم من جهة أخرى‏.‏

وقال ابن عبد البر‏.‏

احتج من لم ير بإهداء الغنم بأنه صلى الله عليه وسلم حج مرة واحدة ولم يهد فيها غنما انتهى‏.‏

وما أدري ما وجه الحجة منه، لأن حديث الباب دال على أنه أرسل بها وأقام، وكان ذلك قبل حجته قطعا، فلا تعارض بين الفعل والترك لأن مجرد الترك لا يدل على نسخ الجواز‏.‏

ثم من الذي صرح من الصحابة بأنه لم يكن في هداياه في حجته غنم حتى يسوغ الاحتجاج بذلك‏؟‏ ثم ساق ابن المنذر من طريق عطاء وعبيد الله بن أبي يزيد وأبي جعفر محمد بن علي وغيرهم قالوا‏:‏ رأينا الغنم تقدم مقلدة‏.‏

ولابن أبي شيبة عن ابن عباس نحوه‏.‏

والمراد بذلك الرد على من ادعى الإجماع على ترك إهداء الغنم وتقليدها‏.‏

وأعل بعض المخالفين حديث الباب بأن الأسود تفرد عن عائشة بتقليد الغنم دون بقية الرواة عنها من أهل بيتها وغيرهم، قال المنذري وغيره‏:‏ وليست هذه بعلة لأنه حافظ ثقة لا يضره التفرد‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كُنْتُ أَفْتِلُ الْقَلَائِدَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُقَلِّدُ الْغَنَمَ وَيُقِيمُ فِي أَهْلِهِ حَلَالًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الواحد‏)‏ هو ابن زياد، وإنما أردف البخاري بطريقه طريق أبي نعيم مع أن طريق أبي نعيم عنده أعلى درجة لتصريح الأعمش بالتحديث عن إبراهيم في رواية عبد الواحد، مع أن في رواية عبد الواحد زيادة التقليد وزيادة إقامته في أهله حلالا‏.‏

ثم أردفه برواية منصور عن إبراهيم استظهارا لرواية عبد الواحد لما في حفظ عبد الواحد عندهم وإن كان هو عنده حجة، وأما إردافه برواية مسروق مع أنه لا تصريح فيها بكون القلائد للغنم فلأن لفظ الهدي أعم من أن يكون لغنم أو غيرها، فالغنم فرد من أفراد ما يهدى، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم أهدى الإبل وأهدى البقر، فمن ادعى اختصاص الإبل بالتقليد فعليه البيان‏.‏

وعامر في طريق مسروق هو الشعبي، وزكريا الراوي عنه هو ابن أبي زائدة‏.‏

وقد ذكرت في الباب الذي قبله أنه أخرج طريق مسروق من وجه آخر عن الشعبي مطولا‏.‏

*3*باب الْقَلَائِدِ مِنْ الْعِهْنِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب القلائد من العهن‏)‏ بكسر المهملة وسكون الهاء أي الصوف، وقيل‏:‏ هو المصبوغ منه، وقيل‏:‏ هو الأحمر خاصة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ فَتَلْتُ قَلَائِدَهَا مِنْ عِهْنٍ كَانَ عِنْدِي

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أم المؤمنين‏)‏ هي عائشة، بينه يحيى بن حكيم عن معاذ أخرجه أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ وكذا وقعت تسميتها عند الإسماعيلي من وجه آخر عن ابن عون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فتلت قلائدها‏)‏ أي الهدايا‏.‏

وفي رواية يحيى المذكورة ‏"‏ أنا فتلت تلك القلائد ‏"‏ ولمسلم من وجه آخر عن ابن عون مثله وزاد ‏"‏ فأصبح فينا حلالا يأتي ما يأتي الحلال من أهله ‏"‏ وفيه رد على من كره القلائد من الأوبار واختار أن تكون من نبات الأرض، وهو منقول عن ربيعة ومالك‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ لعله أراد أنه الأولى، مع القول بجواز كونها من الصوف‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب تَقْلِيدِ النَّعْلِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب تقليد النعل‏)‏ يحتمل أن يريد الجنس، ويحتمل أن يريد الوحدة أي النعل الواحدة فيكون فيه إشارة إلى من اشترط نعلين وهو قول الثوري‏.‏

وقال غيره تجزئ الواحدة‏.‏

وقال آخرون‏:‏ لا تتعين النعل بل كل ما قام مقامها أجزأ حتى أذن الإداوة‏.‏

ثم قيل‏:‏ الحكمة في تقليد النعل أن فيه إشارة إلى السفر والحد فيه، فعلى هذا يتعين والله أعلم‏.‏

وقال ابن المنير في الحاشية‏:‏ الحكمة فيه أن العرب تعتد النعل مركوبة لكونها تقي عن صاحبها وتحمل عنه وعر الطريق، وقد كنى بعض الشعراء عنها بالناقة، فكأن الذي أهدى خرج عن مركوبه لله تعالى حيوانا وغيره، كما خرج حين أحرم عن ملبوسه، ومن ثم استحب تقليد نعلين لا واحدة، وهذا هو الأصل في نذر المشي حافيا إلى مكة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ سَلَّامٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً قَالَ ارْكَبْهَا قَالَ إِنَّهَا بَدَنَةٌ قَالَ ارْكَبْهَا قَالَ فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ رَاكِبَهَا يُسَايِرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّعْلُ فِي عُنُقِهَا تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد‏)‏ كذا للأكثر غير منسوب، ولابن السكن ‏"‏ محمد بن سلام ‏"‏ ولأبي ذر ‏"‏ محمد هو ابن سلام ‏"‏ ورجح أبو علي الجياني أنه محمد بن المثنى لأن المصنف روى عن محمد بن المثنى عن عبد الأعلى حديثا غير هذا سيأتي قريبا، وأيده غيره بأن الإسماعيلي وأبا نعيم أخرجاه في مستخرجيهما من رواية محمد بن المثنى، وليس ذلك بلازم، والعمدة على ما قال ابن السكن فإنه حافظ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عكرمة‏)‏ هو مولى ابن عباس، وأما عكرمة بن عمار فهو تلميذ يحيى بن أبي كثير لا شيخه، وقد تقدم الكلام على حديث الباب قبل تسعة أبواب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه محمد بن بشار إلخ‏)‏ المتابع بالفتح هنا هو معمر، والمتابع بالكسر ظاهر السياق أنه محمد بن بشار، وفي التحقيق هو علي ابن المبارك، وإنما احتاج معمر عنده إلى المتابعة لأن في رواية البصريين عنه مقالا لكونه حدثهم بالبصرة من حفظه وهذا من رواية البصريين، ولم تقع لي رواية محمد بن بشار موصولة، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق وكيع عن علي بن المبارك بمتابعة عثمان بن عمرو قال‏:‏ إن حسينا المعلم رواه عن يحيى بن أبي كثير أيضا‏.‏

*3*باب الْجِلَالِ لِلْبُدْنِ

وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَا يَشُقُّ مِنْ الْجِلَالِ إِلَّا مَوْضِعَ السَّنَامِ وَإِذَا نَحَرَهَا نَزَعَ جِلَالَهَا مَخَافَةَ أَنْ يُفْسِدَهَا الدَّمُ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الجلال للبدن‏)‏ بكسر الجيم وتخفيف اللام جمع جل بضم الجيم وهو ما يطرح على ظهر البعير من كساء ونحوه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان ابن عمر لا يشق من الجلال إلا موضع السنام فإذا نحرها نزع جلالها مخافة أن يفسدها الدم ثم يتصدق بها‏)‏ هذا التعليق وصل بعضه مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن نافع ‏"‏ أن عبد الله بن عمر كان لا يشق جلال بدنه ‏"‏ وعن نافع ‏"‏ أن ابن عمر كان يجلل بدنه القباطي والحلل ثم يبعث بها إلى الكعبة فيكسوها إياها ‏"‏ وعن مالك أنه سأل عبد الله بن دينار ‏"‏ ما كان ابن عمر يصنع بجلال بدنه حين كسيت الكعبة هذه الكسوة‏؟‏ قال‏:‏ كان يتصدق بها ‏"‏ وقال البيهقي بعد أن أخرجه من طريق يحيى بن بكير عن مالك زاد فيه غيره عن مالك ‏"‏ إلا موضع السنام ‏"‏ إلى آخر الأثر المذكور‏.‏

قال المهلب ليس التصدق بجلال البدن فرضا، وإنما صنع ذلك ابن عمر لأنه أراد أن لا يرجع في شيء أهل به له، ولا في شيء أضيف إليه ا هـ‏.‏

وفائدة شق الجل من موضع السنام ليظهر الإشعار لئلا يستتر ما تحتها‏.‏

وروى ابن المنذر من طريق أسامة بن زيد عن نافع ‏"‏ أن ابن عمر كان يجلل بدنه الأنماط والبرود والحبر حتى يخرج من المدينة، ثم ينزعها فيطويها حتى يكون يوم عرفة فيلبسها إياها حتى ينحرها، ثم يتصدق بها، قال نافع‏:‏ وربما دفعها إلى بني شيبة‏.‏

وأورد المصنف حديث علي في التصدق بجلال البدن مختصرا، وسيأتي الكلام عليه مستوفي بعد سبعة أبواب إن شاء الله تعالى‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ما في هذه الأحاديث من استحباب التقليد والإشعار وغير ذلك يقتضي أن إظهار التقرب بالهدي أفضل من إخفائه، والمقرر أن إخفاء العمل الصالح غير الفرض أفضل من إظهاره، فأما أن يقال إن أفعال الحج مبنية على الظهور كالإحرام والطواف والوقوف فكان الإشعار والتقليد كذلك فيخص الحج من عموم الإخفاء، وإما أن يقال لا يلزم من التقليد والإشعار إظهار العمل الصالح لأن الذي يهديها يمكنه أن يبعثها مع من يقلدها ويشعرها ولا يقول إنها لفلان فتحصل سنة التقليد مع كتمان العمل، وأبعد من استدل بذلك على أن العمل إذا شرع فيه صار فرضا‏.‏

وإما أن يقال إن التقليد جعل علما لكونها هديا حتى لا يطمع صاحبها في الرجوع فيها‏.‏

*3*باب مَنْ اشْتَرَى هَدْيَهُ مِنْ الطَّرِيقِ وَقَلَّدَهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من اشترى هديه من الطريق وقلدها‏)‏ تقدم قبل ثمانية أبواب ‏"‏ من اشترى الهدي من الطريق ‏"‏ وأورد فيه حديث ابن عمر هذا من وجه آخر، وإنما زادت هذه الترجمة التقليد، وقد تقدم القول فيه مستوفى في ‏"‏ باب من قلد القلائد بيده ‏"‏ وحديث ابن عمر يأتي الكلام عليه مستوفى في أبواب المحصر إن شاء الله تعالى‏.‏

لكن قوله في هذه الرواية ‏"‏ عام حجة الحرورية ‏"‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ حج الحرورية في عهد ابن الزبير ‏"‏ مغاير لقوله في ‏"‏ باب طواف القارن ‏"‏ من رواية الليث عن نافع ‏"‏ عام نزول الحجاج بابن الزبير لأن حجة الحرورية كانت في السنة التي مات فيها يزيد بن معاوية سنة أربع وستين وذلك قبل أن يتسمى ابن الزبير بالخلافة، ونزول الحجاج بابن الزبير كان في سنة ثلاث وسبعين وذلك في آخر أيام ابن الزبير، فأما أن يحمل على أن الراوي أطلق على الحجاج وأتباعه حرورية لجامع ما بينهم من الخروج على أئمة الحق، وإما أن يحمل على تعدد القصة‏.‏

وقد ظهر من رواية أيوب عن نافع أن القائل لابن عمر الكلام المذكور هو ولده عبيد الله كما تقدم في ‏"‏ باب من اشترى الهدي من الطريق ‏"‏ وسيأتي في أول الإحصار مزيد بيان لذلك إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب ذَبْحِ الرَّجُلِ الْبَقَرَ عَنْ نِسَائِهِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِنَّ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ذبح الرجل البقر عن نسائه من غير أمرهن‏)‏ أما التعبير بالذبح مع أن حديث الباب بلفظ النحر فإشارة إلى ما ورد في بعض طرقه بلفظ الذبح، وسيأتي بعد سبعة أبواب من طريق سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد، ونحر البقر جائز عند العلماء إلا أن الذبح مستحب عندهم لقوله تعالى ‏(‏إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة‏)‏ وخالف الحسن بن صالح فاستحب نحرها، وأما قوله ‏"‏ من غير أمرهن ‏"‏ فأخذه من استفهام عائشة عن اللحم لما دخل به عليها، ولو كان ذبحه بعلمها لم تحتج إلى الاستفهام، لكن ليس ذلك دافعا للاحتمال، فيجوز أن يكون علمها بذلك تقدم بأن يكون استأذنهن في ذلك، لكن لما أدخل اللحم عليها احتمل عندها أن يكون هو الذي وقع الاستئذان فيه وأن يكون غير ذلك فاستفهمت عنه لذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَتْ سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ لَا نُرَى إِلَّا الْحَجَّ فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إِذَا طَافَ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَحِلَّ قَالَتْ فَدُخِلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ فَقُلْتُ مَا هَذَا قَالَ نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَزْوَاجِهِ قَالَ يَحْيَى فَذَكَرْتُهُ لِلْقَاسِمِ فَقَالَ أَتَتْكَ بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عمرة‏)‏ في رواية سليمان المذكورة حدثتني عمرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا نرى‏)‏ بضم النون أي لا نظن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا الحج‏)‏ تقدم القول فيه في الكلام على ‏"‏ باب التمتع والإفراد والقران‏"‏‏.‏

وقوله ‏(‏فدخل علينا‏)‏ بضم الدال على البناء للمجهول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بلحم بقر‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ أخذ بظاهره جماعة فأجازوا الاشتراك في الهدي والأضحية، ولا حجة فيه لأنه يحتمل أن يكون عن كل واحدة بقرة وأما رواية يونس عن الزهري عن عمرة عن عائشة ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر عن أزواجه بقرة واحدة ‏"‏ فقد قال إسماعيل القاضي‏:‏ تفرد يونس بذلك، وقد خالفه غيره ا هـ‏.‏

ورواية يونس أخرجها النسائي وأبو داود وغيرهما، ويونس ثقة حافظ، وقد تابعه معمر عند النسائي أيضا ولفظه أصرح من لفظ يونس قال ‏"‏ ما ذبح عن آل محمد في حجه الوداع إلا بقرة ‏"‏ وروى النسائي أيضا من طريق يحيي بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال ‏"‏ ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن اعتمر من نسائه في حجة الوداع بقرة بينهن ‏"‏ صححه الحاكم، وهو شاهد قوي لرواية الزهري وأما ما رواه عمار الدهني عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت ‏"‏ ذبح عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حججنا بقرة بقرة ‏"‏ أخرجه النسائي أيضا فهو شاذ خالف لما تقدم، وقد رواه المصنف في الأضاحي ومسلم أيضا من طريق ابن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم بلفظ ‏"‏ ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه البقر ‏"‏ ولم يذكر ما زاده عمار الدهني، وأخرجه مسلم أيضا من طريق عبد العزيز الماجشون عن عبد الرحمن لكن بلفظ ‏"‏ أهدى ‏"‏ بدل ‏"‏ ضحى ‏"‏ والظاهر أن التصرف من الرواة لأنه ثبت في الحديث ذكر النحر فحمله بعضهم على الأضحية، فإن رواية أبي هريرة صريحة في أن ذلك كان عمن اعتمر من نسائه فقويت رواية من رواه بلفظ ‏"‏ أهدى ‏"‏ وتبين أنه هدي التمتع فليس فيه حجة على مالك في قوله لا ضحايا على أهل منى، وتبين توجيه الاستدلال به على جواز الاشتراك في الهدي والأضحية والله أعلم‏.‏

واستدل به على أن الإنسان قد يلحقه من عمل غيره ما عمله عنه بغير أمره ولا علمه، وتعقب باحتمال الاستئذان كما تقدم في الكلام على الترجمة، وفيه جواز الأكل من الهدي والأضحية، وسيأتي نقل الخلاف فيه بعد سبعة أبواب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال يحيى‏)‏ هو ابن سعيد الأنصاري بالإسناد المذكور كله إليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فذكرته للقاسم‏)‏ يعني ابن محمد بن أبي بكر الصديق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال أتتك بالحديث على وجهه‏)‏ أي ساقته لك سياقا تاما لم تختصر منه شيئا، وكأنه يشير بذلك إلى روايته هو عن عائشة فإنها مختصرة كما قدمت الإشارة إليها في هذا الباب‏.‏

*3*باب النَّحْرِ فِي مَنْحَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب النحر في منحر النبي صلى الله عليه وسلم بمنى‏)‏ قال ابن التين‏:‏ منحر النبي صلى الله عليه وسلم عند الجمرة الأولى التي تلي المسجد انتهى‏.‏

وكأنه أخذه من أثر أخرجه الفاكهي من طريق ابن جريج عن طاوس قال ‏"‏ كان منزل النبي صلى الله عليه وسلم بمنى عن يسار المصلي‏"‏‏.‏

قال وقال غير طاوس من أشياخنا مثله وزاد ‏"‏ وأمر بنسائه أن ينزلن جنب الدار بمنى، وأمر الأنصار أن ينزلوا الشعب وراء الدار‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ والشعب هو عند الجمرة المذكورة‏.‏

قال ابن التين‏:‏ وللنحر فيه فضيلة على غيره لقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏هذا المنحر، وكل منى منحر ‏"‏ انتهى‏.‏

والحديث المذكور أخرجه مسلم من حديث جابر ولفظه ‏"‏ نحرت هاهنا‏"‏، ومنى كلها منحر، فانحروا في رحالكم ‏"‏ وهذا ظاهره أن نحره صلى الله عليه وسلم بذلك المكان وقع عن اتفاق، لا لشيء يتعلق بالنسك، ولكن ابن عمر كان شديد الاتباع‏.‏

وقد روى عمر بن شبة في كتابه من طريق ابن جريج عن عطاء قال ‏"‏ كان ابن عمر لا ينحر إلا بمنى ‏"‏ وحكى ابن بطال قول مالك في النحر بمنى للحاج والنحر بمكة للمعتمر، وأطال في تقرير ذلك وترجيحه، ولا خلاف في الجواز وإن اختلف في الأفضل‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سَمِعَ خَالِدَ بْنَ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَنْحَرُ فِي الْمَنْحَرِ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ مَنْحَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسحاق بن إبراهيم‏)‏ هو المعروف بابن راهويه، وكذلك أخرجه في مسنده‏.‏

وأخرجه من طريقه أبو نعيم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال عبيد الله‏)‏ أي ابن عمر بالإسناد المذكور، والمعنى أن مراد نافع بإطلاق المنحر منحر رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقد روى المصنف هذا الحديث في الأضاحي أوضح من هذا ولفظه ‏"‏ حدثني محمد بن أبي بكر المقدمي حدثنا خالد بن الحارث ‏"‏ فذكر الحديث قال ‏"‏ قال عبيد الله يعني منحر النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ولهذا أردفه المصنف هنا بطريق موسى بن عقبة عن نافع المصرحة بإضافة المنحر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفس الخبر، وأفادت رواية موسى زيادة وقت بعث الهدي إلى المنحر وأنها من آخر الليل‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يَبْعَثُ بِهَدْيِهِ مِنْ جَمْعٍ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ حَتَّى يُدْخَلَ بِهِ مَنْحَرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ حُجَّاجٍ فِيهِمْ الْحُرُّ وَالْمَمْلُوكُ

الشرح‏:‏

قوله ‏"‏مع حجاج ‏"‏ بضم المهملة جمع حاج، وقوله ‏"‏فيهم الحر والمملوك ‏"‏ معناه أنه لا يشترط بعث الهدي مع الأحرار دون الأرقاء، وسيأتي في الأضاحي من طريق كثير بن فرقد عن نافع عن ابن عمر ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذبح وينحر بالمصلي ‏"‏ وهذا محمول على الأضحية بالمدينة‏.‏

*3*باب مَنْ نَحَرَ هَدْيَهُ بِيَدِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من نحر هديه بيده‏)‏ أورد فيه حديث أنس مختصرا وفيه ‏"‏ نحر النبي صلى الله عليه وسلم بيده سبع بدن ‏"‏ وسيأتي بعد باب واحد بتمامه بالإسناد الذي ساقه هنا سواء، وليست هذه الترجمة وحديثها عند أكثر الرواة، بل ثبتت لأبي ذر عن المستملي وحده، وفي نسخة الصغاني بعد الترجمة ما نصه ‏"‏ حديث سهل بن بكار عن وهيب ‏"‏ فاكتفى بالإشارة‏.‏

*3*باب نَحْرِ الْإِبِلِ مُقَيَّدَةً

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب نحر الإبل مقيدة‏)‏ أورد فيه حديث ابن عمر، وهو مطابق لما ترجم له‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَتَى عَلَى رَجُلٍ قَدْ أَنَاخَ بَدَنَتَهُ يَنْحَرُهَا قَالَ ابْعَثْهَا قِيَامًا مُقَيَّدَةً سُنَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ شُعْبَةُ عَنْ يُونُسَ أَخْبَرَنِي زِيَادٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن يونس‏)‏ هو ابن عبيد، في رواية الإسماعيلي من طريق محمد بن عبد الأعلى عن يزيد بن زريع ‏"‏ أخبرنا يونس ‏"‏ والإسناد سوى الصحابي كلهم بصريون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن زياد بن جبير‏)‏ بجيم وموحدة مصغر بصري تابعي ثقة ليس له في الصحيحين سوى هذا الحديث وحديث آخر أخرجه المصنف في النذر بهذا الإسناد وأخرجه في الصوم بإسناد آخر إلى يونس بن عبيد، وقد سبق في أوائل الحج حديث غير هذا من طريق زيد بن جبير عن ابن عمر، وهو غير زياد بن جبير هذا وليس أخا له أيضا لأن زيدا طائي كوفي وزيادا ثقفي بصري لكنهما اشتركا في الثقة وفي الرواية عن ابن عمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أتى على رجل‏)‏ لم أقف على اسمه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قد أناخ بدنته ينحرها‏)‏ زاد أحمد عن إسماعيل بن علية عن يونس ‏"‏ لينحرها بمنى‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ابعثها‏)‏ أي أثرها، يقال بعثت الناقة أثرتها‏.‏

و قوله‏:‏ ‏(‏قياما‏)‏ أي عن قيام، وقياما مصدر بمعنى قائمة وهي حال مقدرة، أو قوله ‏"‏ ابعثها ‏"‏ أي أقمها، أو العامل محذوف تقديره انحرها‏.‏

وقد وقع في رواية عند الإسماعيلي ‏"‏ انحرها قائمة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مقيدة‏)‏ أي معقولة الرجل قائمة على ما بقي من قوائمها، ولأبي داود من حديث جابر ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها ‏"‏ وقال سعيد بن منصور ‏"‏ حدثنا هشيم أخبرنا أبو بشر عن سعيد بن جبير رأيت ابن عمر ينحر بدنته وهي معقولة إحدى يديها‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سنة محمد‏)‏ بنصب سنة بعامل مضمر كالاختصاص، أو التقدير متبعا سنة محمد‏.‏

قلت‏:‏ ويجوز الرفع، ويدل عليه رواية الحربي في المناسك بلفظ ‏"‏ فقال له انحرها قائمة فإنها سنة محمد ‏"‏ وفي هذا الحديث استحباب نحر الإبل على الصفة المذكورة، وعن الحنفية يستوي نحرها قائمة وباركة في الفضيلة، وفيه تعليم الجاهل وعدم السكوت على مخالفة السنة وإن كان مباحا، وفيه أن قول الصحابي من السنة كـذا مرفوع عند الشيخين لاحتجاجهما بهذا الحديث في صحيحيهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال شعبة عن يونس أخبرني زياد‏)‏ هذا التعليق أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده قال ‏"‏ أخبرنا النضر بن شميل حدثنا شعبة عن يونس سمعت زياد بن جبير يقول‏:‏ انتهيت مع ابن عمر فإذا رجل قد أضجع بدنته وهو يريد أن ينحرها فقال قياما مقيدة سنة محمد صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وقد نسب مغلطاي ومن تبعه تعليق شعبة المذكور لتخريج إبراهيم الحربي عن عمرو بن مرزوق عن شعبة، فراجعته فوجدته فيه عن يونس عن زياد بالعنعنة، وليس في ذلك وفاء بمقصود البخاري، فإنه أخرج طريق شعبة لبيان سماع يونس له من زياد، وكذا أخرجه أحمد عن محمد بن جعفر غندر عن شعبة بالعنعنة‏.‏

*3*باب نَحْرِ الْبُدْنِ قَائِمَةً

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا سُنَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا صَوَافَّ قِيَامًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب نحر البدن قائمة‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ قياما‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عمر سنة محمد‏)‏ يشير إلى حديثه في الباب الذي قبله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس صواف قياما‏)‏ وهكذا ذكره سفيان بن عيينة في تفسيره عن عبيد الله ابن أبي يزيد عنه في تفسير قوله تعالى ‏(‏اذكروا اسم الله عليها صواف‏)‏ قال‏:‏ قياما، أخرجه سعيد بن منصور عن ابن عيينة، وأخرجه عبد بن حميد عن أبي نعيم عنه‏.‏

وقوله ‏"‏صواف ‏"‏ بالتشديد جمع صافة أي مصطفة في قيامها‏.‏

ووقع في ‏"‏ مستدرك الحاكم ‏"‏ من وجه آخر عن ابن عباس في قوله تعالى ‏"‏ صوافن ‏"‏ أي قياما على ثلاث قوائم معقولة، وهي قراءة ابن مسعود ‏"‏ صوافن ‏"‏ بكسر الفاء بعدها نون جمع صافنة وهي التي رفعت إحدى يديها بالعقل لئلا تضطرب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ فَبَاتَ بِهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَجَعَلَ يُهَلِّلُ وَيُسَبِّحُ فَلَمَّا عَلَا عَلَى الْبَيْدَاءِ لَبَّى بِهِمَا جَمِيعًا فَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحِلُّوا وَنَحَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ سَبْعَ بُدْنٍ قِيَامًا وَضَحَّى بِالْمَدِينَةِ كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سهل بن بكار‏)‏ الإسناد إلى آخره بصريون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فبات بها فلما أصبح‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ فبات بها حتى أصبح‏"‏‏.‏

وقد تقدم الكلام عليه في أوائل الحج، والمراد منه هنا قوله ‏"‏ ونحر بيده سبع بدن قياما ‏"‏ كذا في رواية أبي ذر وفي رواية كريمة وغيرها سبعة بدن فقيل في توجيهها أراد أبعرة فلذا ألحق بها الهاء، والجمع بينه وبين ما قبله واضح، وسيأتي بيان ما نحره وعدده في حديث علي إن شاء الله تعالى قريبا، ويأتي الكلام على حديث التضحية بالكبشين في كتاب الأضاحي‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ وَعَنْ أَيُّوبَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ بَاتَ حَتَّى أَصْبَحَ فَصَلَّى الصُّبْحَ ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ الْبَيْدَاءَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعن أيوب عن رجل عن أنس‏)‏ المراد به بيان اختلاف إسماعيل بن علية ووهيب على أيوب فيه، فساقه وهيب عنه بإسناد واحد وفصل إسماعيل بعضه فقال ‏"‏ عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس ‏"‏ وقال في بعضه ‏"‏ عن أيوب عن رجل عن أنس ‏"‏ قال الداودي‏:‏ لو كان كله عند أيوب عن أبي قلابة ما أبهمه‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ يحتمل أن يكون إسماعيل شك فيه أو نسيه، ووهيب ثقة فقد جزم بأن جميع الحديث عنه، وقد تقدم الكلام على شيء من هذا في ‏"‏ باب التسبيح والتحميد ‏"‏ في أوائل الحج‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ حكى ابن بطال عن المهلب أنه وقع عنده هنا ‏"‏ فلما أهل لنا بهما جميعا ‏"‏ قال ومعناه أمر من أهل بالقران لأنه هو كان مفردا، فمعنى ‏"‏ أهل لنا ‏"‏ أي أباح لنا الإهلال فكان ذلك أمرا وتعليما لهم كيف يهلون، وإلا فما معنى ‏"‏ لنا ‏"‏ في هذا الموضع‏؟‏ انتهى‏.‏

ولم أقف في شيء من الروايات التي اتصلت لنا في هذا الحديث ولا في غيره على ما ذكر‏.‏

وإنما الذي في أصولنا ‏"‏ فلما علا على البيداء لبى بهما جميعا ‏"‏ ولعله وقع في نسخته ‏"‏ فلما علا على البيداء أهل ‏"‏ وفي أخرى ‏"‏ لبى ‏"‏ فكتبت ‏"‏ لبى ‏"‏ بألف فصارت صورتها ‏"‏ لنا ‏"‏ بنون خفيفة وجمع بينها وبين الرواية الأخرى فصارت ‏"‏ أهل لنا ‏"‏ ولا وجود لذلك في شيء من الطرق‏.‏

*3*باب لَا يُعْطَى الْجَزَّارُ مِنْ الْهَدْيِ شَيْئًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب لا يعطى الجزار من الهدي شيئا‏)‏ فاعل ‏"‏ يعطي ‏"‏ محذوف أي صاحب الهدي، والجزار منصوب على المفعولية وروي بفتح الطاء والجزار بالرفع‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُمْتُ عَلَى الْبُدْنِ فَأَمَرَنِي فَقَسَمْتُ لُحُومَهَا ثُمَّ أَمَرَنِي فَقَسَمْتُ جِلَالَهَا وَجُلُودَهَا قَالَ سُفْيَانُ وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَمَرَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقُومَ عَلَى الْبُدْنِ وَلَا أُعْطِيَ عَلَيْهَا شَيْئًا فِي جِزَارَتِهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا سفيان‏)‏ هو الثوري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الرحمن‏)‏ سيأتي في الباب الذي بعده التصريح بالإخبار بين مجاهد وعبد الرحمن وبين عبد الرحمن وعلي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال سفيان‏)‏ هو المذكور بالإسناد المذكور وليس معلقا، وقد وصله النسائي قال ‏"‏ أخبرنا إسحاق بن منصور حدثنا عبد الرحمن هو ابن مهدي حدثنا سفيان‏"‏، وعبد الكريم المذكور هو الجزري كما في الرواية التي في الباب بعده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقمت على البدن‏)‏ أي التي أرصدها للهدي، وفي الرواية الأخرى ‏"‏ أن أقوم على البدن ‏"‏ أي عند نحرها للاحتفاظ بها، ويحتمل أن يريد ما هو أعم من ذلك أي على مصالحها في علفها ورعيها وسقيها وغير ذلك، ولم يقع في هذه الرواية عدد البدن، لكن وقع في الرواية الثالثة أنها مائة بدنة، ولأبي داود من طريق ابن إسحاق عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ‏"‏ نحر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثين بدنة، وأمرني فنحرت سائرها ‏"‏ وأصح منه ما وقع عند مسلم في حديث جابر الطويل فإن فيه ‏"‏ ثم انصرف النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنحر فنحر ثلاثا وستين بدنة، ثم أعطى عليا فنحر ما غبر وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها ‏"‏ فعرف بذلك أن البدن كانت مائة بدنة وأن النبي صلى الله عليه وسلم نحر منها ثلاثا وستين ونحر علي الباقي، والجمع بينه وبين رواية ابن إسحاق أنه صلى الله عليه وسلم نحر ثلاثين ثم أمر عليا أن ينحر فنحر سبعا وثلاثين مثلا ثم نحر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا وثلاثين، فإن ساغ هذا الجمع وإلا فما في الصحيح أصح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا أعطي عليها شيئا في جزارتها‏)‏ وكذا قوله في الرواية التي في الباب بعده‏:‏ ‏(‏ولا يعطي في جزارتها شيئا‏)‏ ظاهرهما أن لا يعطي الجزار شيئا البتة، وليس ذلك المراد بل المراد أن لا يعطي الجزار منها شيئا كما وقع عند مسلم، وظاهره مع ذلك غير مراد بل بين النسائي في روايته من طريق شعيب بن إسحاق عن ابن جريج أن المراد منع عطية الجزار من الهدي عوضا عن أجرته ولفظه ‏"‏ ولا يعطى في جزارتها منها شيئا ‏"‏ واختلف في الجزارة فقال ابن التين‏:‏ الجزارة بالكسر اسم للفعل وبالضم اسم للسواقط، فعلى هذا فينبغي أن يقرأ بالكسر وبه صحت الرواية، فإن صحت بالضم جاز أن يكون المراد لا يعطى من بعض الجزور أجرة الجزار‏.‏

وقال ابن الجوزي وتبعه المحب الطبري‏:‏ الجزارة بالضم اسم لما يعطى كالعمالة وزنا ومعنى، وقيل‏:‏ هو بالكسر كالحجامة والخياطة، وجوز غيره الفتح‏.‏

وقال ابن الأثير‏:‏ الجزارة بالضم كالعمالة ما يأخذه الجزار من الذبيحة عن أجرته، وأصلها أطراف البعير - الرأس واليدان والرجلان - سميت بذلك لأن الجزار كان يأخذها عن أجرته‏.‏

*3*باب يُتَصَدَّقُ بِجُلُودِ الْهَدْيِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب يتصدق بجلود الهدي‏)‏ أورد فيه حديث علي من رواية ابن جريج عن عبد الكريم الجزري وهو ابن مالك والحسن بن مسلم وهو المكي جميعا عن مجاهد، وساقه بلفظ الحسن بن مسلم، وأما لفظ عبد الكريم فقد أخرجه مسلم من طريق ابن أبي خيثمة زهير بن معاوية عنه نحوه وزاد ‏"‏ وقال نحن نعطيه من عندنا‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ وَعَبْدُ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيُّ أَنَّ مُجَاهِدًا أَخْبَرَهُمَا أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ وَأَنْ يَقْسِمَ بُدْنَهُ كُلَّهَا لُحُومَهَا وَجُلُودَهَا وَجِلَالَهَا وَلَا يُعْطِيَ فِي جِزَارَتِهَا شَيْئًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأن يقسم بدنه‏)‏ بسكون الدال المهملة ويجوز ضمها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لحومها وجلودها وجلالها‏)‏ زاد ابن خزيمة من هذا الوجه في روايته ‏"‏ على المساكين‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا يعطي في جزارتها شيئا‏)‏ زاد مسلم وابن خزيمة ‏"‏ ولا يعطي في جزارتها منها شيئا ‏"‏ قال ابن خزيمة‏:‏ المراد بقوله ‏"‏ يقسمها كلها ‏"‏ على المساكين إلا ما أمر به من كل بدنة ببضعة فطبخت كما في حديث جابر يعني الطويل عند مسلم كما تقدم التنبيه عليه، قال‏:‏ والنهي عن إعطاء الجزار المراد به أن لا يعطي منها عن أجرته، وكذا قال البغوي في ‏"‏ شرح السنة ‏"‏ قال‏:‏ وأما إذا أعطي أجرته كاملة ثم تصدق عليه إذا كان فقيرا كما يتصدق على الفقراء فلا بأس بذلك‏.‏

وقال غيره‏:‏ إعطاء الجزار على سبيل الأجرة ممنوع لكونه معاوضة، وأما إعطاؤه صدقة أو هدية أو زيادة على حقه فالقياس الجواز، ولكن إطلاق الشارع ذلك قد يفهم منه منع الصدقة لئلا تقع مسامحة في الأجرة لأجل ما يأخذه فيرجع إلى المعاوضة، قال القرطبي‏:‏ ولم يرخص في إعطاء الجزار منها في أجرته إلا الحسن البصري وعبد الله بن عبيد بن عمير‏.‏

واستدل به على منع بيع الجلد، قال القرطبي‏:‏ فيه دليل على أن جلود الهدي وجلالها لا تباع لعطفها على اللحم وإعطائها حكمه، وقد اتفقوا على أن لحمها لا يباع فكذلك الجلود والجلال، وأجازه الأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وهو وجه عند الشافعية، قالوا‏:‏ ويصرف ثمنه مصرف الأضحية‏.‏

واستدل أبو ثور على أنهم اتفقوا على جواز الانتفاع به، وكل ما جاز الانتفاع به جاز بيعه، وعورض باتفاقهم على جواز الأكل من لحم هدي التطوع، ولا يلزم من جواز أكله جواز بيعه، وسيأتي الكلام على الأكل منها في الباب الذي بعده، وأقوى من ذلك في رد قوله ما أخرجه أحمد في حديث قتادة بن النعمان مرفوعا ‏"‏ لا تبيعوا لحوم الأضاحي والهدي، وتصرفوا وكلوا، واستمتعوا بجلودها ولا تبيعوا، وإن أطعمتم من لحومها فكلوا إن شئتم‏"‏‏.‏

*3*باب يُتَصَدَّقُ بِجِلَالِ الْبُدْنِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب يتصدق بجلال البدن‏)‏ أورد فيه حديث علي من طريق أخرى عن مجاهد، وقد تقدم الكلام عليه قبل أبواب في ‏"‏ باب الجلال والبدن‏"‏‏.‏

وفي حديث علي من الفوائد سوق الهدي، والوكالة في نحر الهدي، والاستئجار عليه، والقيام عليه وتفرقته والإشراك فيه، وأن من وجب عليه شيء لله فله تخليصه، ونظيره الزرع يعطى عشره ولا يحسب شيئا من نفقته على المساكين‏.‏

*3*باب وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ

وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَمَا يَأْكُلُ مِنْ الْبُدْنِ وَمَا يَتَصَدَّقُ وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَا يُؤْكَلُ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَالنَّذْرِ وَيُؤْكَلُ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ وَقَالَ عَطَاءٌ يَأْكُلُ وَيُطْعِمُ مِنْ الْمُتْعَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب‏:‏ وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا، وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود‏.‏

وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا‏)‏ إلى قوله ‏(‏خير له عند ربه‏)‏ وقع سياق الآيات كلها في رواية كريمة، والمراد منها هنا قوله تعالى ‏(‏فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير‏)‏ ولذلك عطف عليها في الترجمة ‏"‏ وما يؤكل من البدن وما يتصدق ‏"‏ أي بيان المراد من الآية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عبيد الله‏)‏ هو ابن عمر العمري ‏(‏أخبرني نافع عن ابن عمر لا يؤكل من جزاء الصيد والنذر ويؤكل مما سوى ذلك‏)‏ وصله ابن أبي شيبة عن ابن نمير عنه بمعناه قال‏:‏ إذا عطبت البدنة أو كسرت أكل منها صاحبها ولم يبدلها، إلا أن تكون نذرا أو جزاء صيد‏.‏

ورواه الطبري من طريق القطان عن عبيد الله بلفظ التعليق المذكور، وهذا القول إحدى الروايتين عن أحمد، وهو قول مالك وزاد إلا فدية الأذى‏.‏

والرواية الأخرى عن أحمد‏:‏ ولا يؤكل إلا من هدي التطوع والتمتع والقران، وهو قول الحنفية بناء على أصلهم أن دم التمتع والقران دم نسك لا دم جبران‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عطاء‏:‏ يأكل ويطعم من المتعة‏)‏ هذا التعليق وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عنه، وروى سعيد بن منصور من وجه آخر عن عطاء‏:‏ لا يؤكل من جزاء الصيد ولا مما يجعل للمساكين من النذر وغير ذلك ولا من الفدية‏.‏

ويؤكل مما سوى ذلك‏.‏

وروى عبد بن حميد من وجه آخر عنه‏:‏ إن شاء أكل من الهدي والأضحية وإن شاء لم يأكل‏.‏

ولا تخالف بين هذه الآثار عن عطاء فإن حاصلها ما دل عليه الأثر الثاني‏.‏

وزعم ابن القصار المالكي أن الشافعي تفرد بمنع الأكل من دم التمتع‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع في رواية كريمة بعد قوله ‏"‏ فهو خير له عند ربه ‏"‏ وقبل قوله ‏"‏ وما يأكل من البدن وما يتصدق ‏"‏ لفظ ‏"‏ باب ‏"‏ وسقط من رواية أبي ذر وهو الصواب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ حَدَّثَنَا عَطَاءٌ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ كُنَّا لَا نَأْكُلُ مِنْ لُحُومِ بُدْنِنَا فَوْقَ ثَلَاثِ مِنًى فَرَخَّصَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ كُلُوا وَتَزَوَّدُوا فَأَكَلْنَا وَتَزَوَّدْنَا قُلْتُ لِعَطَاءٍ أَقَالَ حَتَّى جِئْنَا الْمَدِينَةَ قَالَ لَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏كنا لا نأكل من لحوم بدننا فوق ثلاث منى‏)‏ بإضافة ثلاث إلى منى، وسيأتي الكلام عليه مستوفى إن شاء الله تعالى في أواخر كتاب الأضاحي وهو من الحكم المتفق على نسخه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى قَالَ حَدَّثَتْنِي عَمْرَةُ قَالَتْ سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ وَلَا نُرَى إِلَّا الْحَجَّ حَتَّى إِذَا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ يَحِلُّ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَدُخِلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ فَقُلْتُ مَا هَذَا فَقِيلَ ذَبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَزْوَاجِهِ قَالَ يَحْيَى فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لِلْقَاسِمِ فَقَالَ أَتَتْكَ بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سليمان‏)‏ هو ابن بلال، ويحيى هو ابن سعيد الأنصاري، والإسناد كله مدنيون، وخالد وإن كان أصله كوفيا فقد سكن المدينة مدة‏.‏

وقد تقدم الكلام على حديث عائشة هذا في ‏"‏ باب ذبح الرجل البقر عن نسائه ‏"‏ وقوله في رواية سليمان هذه ‏"‏ حتى إذا دنونا من مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت ثم يحل ‏"‏ كذا للأكثر من طريق الفربري، وكذا وقع في رواية النسفي، لكن جعل على قوله ‏"‏ ثم ‏"‏ ضبة‏.‏

ووقع في رواية أبي ذر بلفظ ‏"‏ أن ‏"‏ بدل ثم ولا إشكال فيها‏.‏

وكذا أخرجه مسلم عن القعنبي عن سليمان بن بلال بلفظ ‏"‏ أن يحل ‏"‏ وزاد قبلها ‏"‏ إذا طاف بالبيت وبين الصفا والمروة ‏"‏ وقد شرحه الكرماني على لفظ ‏"‏ ثم ‏"‏ فقال‏:‏ جواب إذا محذوف والتقدير يتم عمرته ثم يحل‏.‏

قال‏:‏ ويجوز أن يكون جواب من ثم محذوفا، ويجوز أن تكون ثم زائدة كما قال الأخفش في قوله تعالى ‏(‏أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم‏)‏ إن تاب جواب حتى إذا‏.‏

قلت‏:‏ وكله تكلف، وقد تبين من رواية مسلم أن التغيير من بعض الرواة ولا سيما وقد وقع مثله في رواية أبي ذر الهروي، وتقدمت رواية مالك قريبا ومثلها في الجهاد، وكذا للإسماعيلي من وجه آخر عن يحيى بن سعيد وهو الصواب‏.‏